عبده الأسمري
طبيعة الإنسان الماكثة في دوائر «التساؤل» والثاوية وسط مدارات «الاستطلاع» تجعله مائلاً إلى «المعرفة» بكل تفاصيلها واتجاهاتها وأبعادها.. ويختلف البشر في ذلك وفق ميولهم واهتمامهم وتعليمهم وهممهم وهمومهم..
لذا نجد أن بعض الأميين ممن لا يجيدون القراءة والكتابة من كبار السن يرتهنون للسماع والإنصات لكل نداء معرفي يرتبط بأذهانهم في صوت مذياع أو صدى تلفاز فيرتبطون عقلياً بالصور والأصوات ويجمعون المعلومة من واقعها ويحرصون على إبقائها في متن «الذاكرة» سعداء بذلك «الإهداء» المعرفي الذي يوائم ملكاتهم وإمكاناتهم..
ونرى المثقفين يوجهون «بوصلة» ذوقهم الفكري نحو الأدب والثقافة يجدون فيه أنفسهم ويرون وسطه واقعهم ويدونون من خلاله مهاراتهم يتجاذبون مع كل بيت شعر أو طرف قصة أو بداية رواية ويتعاملون مع الكلمات بذوق حرفي ويترابطون مع العبارات بشوق احترافي ويجدون في القراءة والكتابة دهرين من «الإنجاز» أحدهما للثبات والآخر للتحول..
ونرى كل صاحب مهنة مرتبطاً بها من حيث الانتماء والعطاء والوفاء مما يخلق له سعادة داخلية تجعله سعيداً وسديداً ويستثنى من ذلك «أشخاص» ينظرون للمهن والحرف على أنها مصدر رزق فقط دون الالتزام بوظيفة المهنة «المعرفية» مما يضيع عليهم «فرصاً» من السعادة ونراهم متجهمين من واقعهم متهجمين على حالهم لأنهم عاشوا في إطار ضيق من «البيروقراطية» المهنية التي تجعلهم يعيشون «التكرار» اليومي البائس القائم على الامتعاض وأداء الواجب كيفما اتفق دون مراعاة إلى هوية «الإنسان» في المهنة وأُثره في المجتمع وارتباطه نفسياً وسلوكياً مع حرفته ومهنته.
المعرفة تثري العقول بالجديد وتسهم في إيجاد «زوايا» منفرجة على العوالم الأخرى وترفع من «أسهم» الثقافة وتغذي المخ بالمعلومات التي تغير من طابع المناجاة مع الذات إلى المحاكاة مع الآخرين وتفتح آفاقاً متعددة للرياضة الفكرية التي تنشط خلايا الدماغ وتسهم في رفع مستويات الوعي وتعلو من شأن الذات في الاطلاع وترقي من مهمة النفس في الاستطلاع..
ما بين المعرفة والسعادة ارتباط وثيق منذ الأزل وحتى الأبد. فالمعارف تنمي قدرات الإنسان في التحليل والبحث والنقاش وتجعله أكثر وعياً وأعلى استيعاباً فزيادة المعلومات تملأ خزينة الفكر بخبرات جديدة وحينما يعتمد الإنسان على بصيرته «الخاصة» فإنه سيتحول من متلقٍ إلى مشارك ومع الوقت إلى منتج لتكتمل مراحل «الوعي» وترتفع محافل «السعي» في تحوله إلى «كائن» فاعل بعيداً عن استمراه كمخلوق مستهلك.
المعرفة أمنية متاحة وحلم مشروع وأمل مكفول لكل البشر والحصيف من أقام في ميادينها واستلهم من مضامينها وتشرب من معينها.. لتكون «الوسيلة» النافعة في تحقيق «الغاية» الشافعة في صناعة «السعادة» التي تتشكل من أدوات السرور والذوق والجذب والبهجة التي تجعل الإنسان يقيس «مسافات» التفكير بنضج أكبر ويرصد «استيفاءات» التغيير بوهج أكثر..
رغم كل صراعات «الظروف» و«مصارع» العراقيل التي واجهت «علماء» و«أدباء» و«فقهاء» في مراحل مختلفة من التاريخ إلا أن نتائج معاركهم مع تلك «المحن» انتهت بالانتصار حيث كانوا أكثر قدرة على التماسك وأشد تمكيناً في الثبات وأعلى صبراً في المواجهة وكانوا يعيشون «السعادة» على طريقتهم مستغلين «خلطة» المعارف التي كانت ترسم خارطة تعايشهم مع «الصعاب» وتوجه بوصلة اتجاههم نحو النجاة..
ما بين المعرفة والسعادة عاش عدد من المثقفين وهم يشخصون داء «المجتمعات» بمعايشتهم لآلام الآخرين والدخول إلى أوساطهم والتوغل في معاناتهم حيث دأبوا على العيش بين البسطاء والمكوث وسط المعدمين لينقلوا المعاناة من عمق «الحدث» ويسطروا الحلول في أفق «الحديث» ليكونوا شهود عيان وقضاة عدل وأصحاب رأي وظفوا الكلمة في خدمة الإنسان وسخروا العبارة في صحوة «البيان» وحولوا «الأدب» إلى «دواء» والثقافة إلى «شفاء» واضعين من المعرفة «رسالة» إنسانية و«أمانة» عملية.
للمعرفة مفعول عجيب في «الاتزان» الفكري و«التوازن» الحياتي الذي يسمو بفكر «الإنسان» ويرتقى بتفكير «الشخص» إلى حيث قياس إبعاد التعاملات مع الآخرين بمسافات «آمنة» تضمن سلامة القلب ونقاء السريرة وجودة البصيرة.. ولها الفعل الأعجب في ردم فجوات «الخلافات وتمهيد طرق «المسرات» من خلال ما تجود به على النفس من صفاء ذهني ووفاء ذاتي وصولاً إلى «صناعة» السعادة و«صياغة» الريادة.