مشاعل القاضي
عندما يشعر الإنسان بالوحدة وتسيطر عليه المشاعر الحزينة، فمن الممكن أن يهوي إلى أعماق اليأس!
هكذا قيل عن الوحدة؛ التي تختلف بمفهومها كثيراً عن العزلة التي نفضلها أحياناً لنستعيد إحساسنا بالحياة وبأنفسنا.
إن اختيارنا للانعزال عن البشر والبقاء وحدنا لبعض الوقت هي إحدى محاولاتنا لنختلي بذواتنا ونواجهها بما تحمله ضمائرنا، أو لحاجتنا للابتعاد عن صخب الحياة والضغوطات التي نمر بها، وأحياناً لرغبتنا بالصمت حتى نسمع بوضوح صوت أفكارنا ونعيد ترتيب أولوياتنا والأشياء بداخلنا.
هذه العزلة التي نختارها بإرادتنا عادةً ما تكون أقرب اللحظات إلى قلوبنا لأننا نصبح فيها منكشفين تماماً على حقيقتنا ونتصرف فيها على طبيعتنا، فنخرج منها بروح جديدة لنعود ونأنس بوجود من نحب. وفي آخر المطاف؛ لسنا مجبرين على أن نعيش عزلة أبدية موحشة كما هي الوحدة.
من المهم أن نعي الخط الفاصل بين العزلة والوحدة وأن لا نخلط بينهما؛ فالوحدة مؤلمة لأنها محكمة علينا، كأن تكون بلا عائلة أو أصدقاء والإنسان بطبيعته يقوى بوجود الناس حوله، أو أن تصبح بلا مأوى عاطفي أو روح تملأها الطاقة والبهجة، بل أن ينتهي بك الأمر لأن تفقد معنى الحياة لأنك لا تشاركها سوى نفسك رغماً عنك.
اعتدنا في الآونة الأخيرة على سماع عبارات مروجي الوحدة لتكون هي ملاذ النفس البشرية لتجنب الأذى والصدمات؛ كقولهم اعتزل ما يؤذيك أو أن تبقى وحيداً خيراً من أن تبقى في هامش الحياة.
هذه العبارات غير المنطقية تشجع على اعتزال الناس والانطوائية غير المبررة، بينما الأصل في الحياة هو التجارب والإخفاقات، فليس هناك من لم يتعرض يوماً للألم بفعل شخص عزيز أو تجربة مريرة، بل إنه لا يمكن للإنسان أن يتعلم دون أن يدفع ثمن ذلك من وقته وصحته واستقراره النفسي أحياناً.
وقد قيل قديماً إن الوحدة أفظع من الفقر؛ لأنه شعور يُلازم الإنسان وليس مجرد حدث عابر في حياته، فيعيش في انفصال تام عن من حوله ويشعر بأن هناك فجوة عميقة بينه وبينهم، وبأن الآلام التي تسكنه غير قابلة للمشاركة لأنها لا تعني أحداً سواه.
الوحدة شعور قاسٍ ومرير وليست حالة مبهجة، لذلك فلنتوقف عن التغني بها والحث عليها وكأنها إحدى صرعات العصر التي قد تميز من يتبناها عن غيره!