د.شريف بن محمد الأتربي
صدرت الموافقة السامية الكريمة على نظام العودة للمدارس في العام الدراسي الجديد 2021 - 2022 لتصدع وسائل التواصل الاجتماعي بأحاديث ونقاشات وخلافات بدأت بسؤال مع أو ضد، لينبري كل فريق يدافع عن وجهة نظره ويؤكدها ويقاتل من أجل إثبات صحتها حتى لو كلفه ذلك التطاول في الحديث أو حتى خسارة بعض الأصدقاء أو المعارف، وتناسى هؤلاء وهؤلاء أن الأمر قد حسم من قبل قيادتنا الرشيدة - حفظها الله - وإن العودة للمدرسة باتت أمراً واقعاً لا جدال فيه، وأن على هؤلاء المتحدثين الاتفاق على آلية العودة، وكيفية التخطيط لها، خاصة بعد فترة انقطاع تكاد تقارب العامين، أنهى خلالهما من أنهى من الطلاب دراسته سواء الأساسية أو الجامعية، والتحق من التحق منهم بها، ليأتي السؤال المهم: ماذا سيفعل المعلمون؟
خلال العامين الماضيين كان المعلم ضيف شرف كل يوم على أسر الطلاب من خلال البث المباشر للدروس عبر منصة مدرستي، أو عبر قنوات عين، يقدم الدرس ويرسل الواجبات وأي تكليفات أخرى، لتنتقل مسؤولية التنفيذ منه إلى أولياء الأمور الذين وجدوا أنفسهم أمام مسؤوليات مضاعفة لم يكن أكثرهم مدركاً مدى مشقة هذه المسؤوليات، سواء التربوية أو التعليمية، فعلى مدار العصور الماضية، ومنذ بدأ التعليم النظامي، والمعلم هو الشخص الوحيد الذي يتحمل مسؤولية مئات الطلاب تربوياً وتعليمياً، وأي تقصير من قبل هؤلاء الطلاب، يجعل أولياء الأمور يهرعون إلى المدرسة، صابين جام غضبهم على المعلم، مبرأين أبناءهم من أي قصور أو ذلل. وحين دارت الدائرة، وتحمل كل أب وأم مسؤولية واحد أو أكثر من أبنائهم، لم يجدوا غضاضة في تحميل نظام التعليم الإلكتروني السبب في فشل أبنائهم، وأنهم لا هم ولا هؤلاء الأبناء كانوا مهيئين لمثل هذا النظام، ولا أعتقد أن هناك أسعد من هؤلاء الآباء الذين يعدون الدقائق وليس الساعات ليرسلوا أبناءهم إلى المدرسة ظناً منهم أن رسالتهم قد انتهت عند بابها، وأن ما يجري خلف هذه الأسوار لا شأن لهم به، منطلقين من مبدأ: لك اللحم ولنا العظم، هذا المبدأ الذي - وإن صلح سابقاً - لم يعد له مكاناً ولا وجوداً في زماننا الحالي؛ فقد منعت الوزارة أي تعرض للطالب قولاً أو فعلاً، بل جرمته القوانين.
بداية من الأحد القادم الموافق 20 من أغسطس 2021 سيعود المعلمون إلى مدارسهم استعداداً للعام الدراسي الجديد الذي سينطلق بإذن الله في 27 أغسطس 2021، وخلال هذا الأسبوع سيكون على المعلمين التعاون فيما بينهم لاستعادة الإحساس بالمكان، وبالأدوات، بل ببعضهم البعض. سيكون على هؤلاء المعلمين العمل على خطة إعادة تأهيل طلابهم لجو الدراسة الحضوري، والتزام هؤلاء الطلاب بالسياسات والتعليمات الضابطة للسلوك وللتعليم.
إن عودة أبنائنا إلى مقاعد الدراسة من جديد، تشبه تماماً التحاق الطالب بالمدرسة لأول مرة، فالآن هو مطالب بالحضور، والتحصيل، والتعاون، والقياس، و... من الأعمال والسلوكيات التي غابت عنه خلال عامين، بل زد عليها سهولة النجاح بأقل تحصيل علمي ممكن.
وقد تنبهت منظمة اليونيسف إلى هذا الأمر مبكراً فقامت بالعمل على إعداد حقيبة تدريبية بعنوان: الجاهزية للعودة: حزمة تدريب إعداد المعلم. وقد شملت الحقيبة ثلاث وحدات تدريبية هي: عمليات المدرسة الآمنة، الرفاهية والحماية، العودة للتعليم.
حرصت الحقيبة من خلال الوحدات الثلاث على مساعدة المعلمين والمتعلمين خلال الفترة الأولى من العودة للدراسة داخل الصفوف، حيث حرصت على القيام بتعميم الثقافة الصحية للجميع وخاصة الطلبة، فيما يتعلق بكوفيد - 19، بالتوعية من الفيروس، وأخطاره، وأعراضه، وكذلك التوعية ببروتوكولات الصف المدرسي، من تباعد جسدي، وسلوكيات النظافة الإيجابية، ورصد الالتزام بها، وأيضاً الحرص على ضمان تنظيف الصف المدرسي، وتعقيمه، وتطهيره، إلى جانب متابعة حالات الطلبة الصحية، والإبلاغ عن ظهور أعراض المرض - لا قدر الله - على أي منهم، ومحاربة الجهل والخرافات المتعلقة بكوفيد - 19، من خلال دعم الطلبة في الحصول على المعلومات من مصادرها الصحيحة والموثوقة. وهي من الخطوات المهمة في تدريب الطلبة على أهمية المعلومات وأهميتها في حياة الإنسان، وآلية الوصول إليها، والحكم عليها للتأكد من صحتها.
ويحتاج الطلبة خلال هذه المرحلة إلى الرفاهية في العملية التعليمية، أو بمعنى آخر رضاهم عنها، وكذلك توفير بيئة تعليمية آمنة تضمن لهم الأمان البدني، والعاطفي، والفكري. وكذلك ينبغي وضع آلية التواصل -خاصة المباشر- موضع الاعتبار لما يمثله من أهمية في إنجاح المنظومة التعليمية.
كما اهتم التقرير أيضاً برفاهية المعلم، فوضع آلية لمواجهة الضغوط النفسية الناتجة عن العودة للدراسة المباشرة؛ سواء من ناحية التدريس، أو الحضور والانصراف، والتعامل مع الزملاء، والتعامل مع الطلبة، كما حث التقرير المعلمين على إعطاء أولية لرعايتهم الذاتية.
وتعد الوحدة الثالثة من الحقيبة من أهم الوحدات، حيث تشمل العودة إلى التعليم. حيث ركزت هذه الوحدة على آلية معالجة الفاقد التعليمي من خلال تكييف الممارسات المتبعة في الصف المدرسي وإعداد الطلبة لسياسات الجديدة، وكذلك التفكير في الفاقد التعليمي والمتراجع واستخدام التقييم التكويني.
اهتمت الحقيبة أيضا بتنفيذ استراتيجيات التعليم المدمج، ودور الواجبات الدراسية، والفعاليات التعليمية الأخرى التي يمكن الاعتماد عليها في تحقيق أهداف التعلم مع مراعاة الفروق الفردية بين الطلبة. وركزت الحقيبة على أهمية التعلم بالمشاريع.
ومن النقاط المهمة التي عملت عليها الحقيبة؛ بناء بيئة تعليمية داعمة، والتي ستساعد - بإذن الله- المعلمين والطلبة على حد سواء في تحقيق النجاح عند العودة للمدرسة.
تمثل العودة للدراسة حضورياً تحدياً جديداً للمجتمع بشكل عام، وللمجتمع التربوي بشكل خاص، وإن كانت العيون جميعها ستتجه صوب المعلمين لمراقبة ومعرفة خطواتهم وخططهم التي سينتهجونها في بداية هذا العام الدراسي، التي بناء عليها يمكننا القول إن هذا العام قد نجح ومر بسلام، أو نعود مرة أخرى إلى تأهيل الطلبة للتأقلم مع متطلبات العودة للمدارس.