سهوب بغدادي
«اترك عنك الخرابيط وذاكر، ما بينفعك إلا شهادتك»
جملة شهيرة، لا تخلو من الصحة وعدمها من منظورين، الأول قبل أعوام ليست ببعيدة، والثاني في وقتنا الحالي، نحن نعيش عصر «الخرابيط» التي تستطيع أن تبني بها امبراطورية خاصة بك، عندما كان «الفن ما يوكل عيش» وعزف الآلة الموسيقية «مضيعة وقت» والرسم هواية يجب الحذر من التعلق بها لأنها لن توفر لك حياة رغيدة. والأكثر من ذلك، «أحلام الفتيات النحيفات والطويلات نسبياً» بأن يقتحمن عالم الموضة وعرض الأزياء، فعرض الأزياء والفاشن أصبح أمراً إلزامياً لأغلب الشخصيات التي تمتلك قواعد جماهيرية، فنرى الممثلة «فاشنيستا» في الأيام العادية لزيادة دخلها والتعاقد مع علامات تجارية للترويج لها، وتلك الشاعرة التي تضع «تاق» على كل جزء من جسمها ليأخذك إلى موقع تجاري، من ثم المطربة والعازفة والمدربة الحياتية وغيرهن على ذات الخطى، ما عدا عارضة الأزياء التي فقدت وميض مهنتها.
بعض النظر عن الآنف ذكره، هنالك توظيف جميل «للخرابيط» فمثلا من كان يهوى الألعاب الإلكترونية قد يعمل في شركة مطورة لهذه الألعاب، ومن يعشق الغناء فسيجد منصة إلكترونية تحتضنه، وكل أمر كان يقوم به الشخص في صغره وتلقى عليه التأنيب تارة والتخويف من المستقبل تارة أخرى أصبح جزءاً من هوية الشخص المبدع اليوم، فلقد تحدثت إلى شخص أحب تسلق الجبال والرياضة فأخذه شغفه لتأسيس شركة مختصة بالرحلات الجبلية «هايكنق» وآخر أحب الزراعة فعمد إلى تعليم «البستنة» عبر الإنترنت، وهناك شابة تطعم الحيوانات وترفق بها عملت على افتتاح ملجأ ليحتضنها ويهبها للمتبنين الكفؤ.
كل هذه الأمور والهوايات والمواهب التي كانت تشكل حياة كاملة لنا في فترة ما في طفولتنا، وتخلينا عنها قسراً أو عنوةً للانخراط في المعتاد والآمن المستقر، لن يتم التعامل معها كالسابق، بل ستقدس وتولى قدراً وافراً من الاهتمام من ثم توجيهها إلى ما يتناسب ويخدم سوق العمل والمستهلك وما إلى ذلك.
إن كان ابنك أو ابنتك يحبون أمراً غير اعتيادي فلا تقلق عزيزي المربي، لأن مستقبلهم يحمل إمكانات واحتمالات لا يمكننا تصورها.