لا يستطيع خبراء التنمية الاقتصادية التوقف عن قراءة وتحليل إعلان صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- بأن المملكة ستعلن إستراتيجيتها لتطوير مدينة الرياض كجزء من خططها لتنويع مصادر الدخل ونمو الاقتصاد، وذلك بوصفه منهجًا تنمويًا استباقيًا متميزًا وفريدًا ويتجاوز التجارب السابقة في تنمية المدن بالمملكة، والقائم على الاستجابة لمتطلبات التنمية وفقًا للاحتياج وارتباطًا بالتمويلات المتاحة في حينه، وهو ما عطل كثيرًا من أوجه التنمية في المدن أو تسبب في عدم اتساق مشاريع التنمية وتكاملها. وتمت الإشارة إلى عدد من المزايا والأهداف والمؤشرات التي تقوم عليها الإستراتيجية، بداية بحصر كل الخصائص التي تمتلكها الرياض التي تعطي ممكنات لخلق وظائف ونمو في الاقتصاد، واستثمارات، وإيجاد العديد من الفرص أمام قطاع الأعمال. وستعمل الإستراتيجية انطلاقًا من موقع المملكة الجغرافي الممتد بين ثلاث قارات على تحويل الرياض من كونها عاصمة عربية إلى مدينة عالمية تلتقي فيها اقتصادات العالم، وتستهدف الإستراتيجية أن تكون الرياض من أكبر عشر مدن اقتصادية في العالم والتي تصنف اليوم من أكبر 40 اقتصادًا في العالم كمدينة.
وتبنى الإستراتيجية من كون المدن تشكل 85 في المائة من اقتصاد العالم، وأن الاقتصادات العالمية تقوم فعليًا على تنمية المدن، وتبدأ التنمية الحقيقية فيها سواء في الصناعة أو الابتكار أو في التعليم أو في الخدمات أو في السياحة وغيرها من القطاعات. ومن الخصائص التي تتميز بها الرياض أنها تشكل اليوم ما يقارب 50 في المائة من الاقتصاد غير النفطي في السعودية، وتكلفة خلق الوظيفة فيها أقل 30 في المائة من بقية مدن المملكة، وهذا يأتي بالتزامن مع عمل الإستراتيجية على أن يكون بالرياض أكبر مدينة صناعية بالعالم. كما تتميز الرياض بأن تكلفة تطوير البنى التحتية والتطوير العقاري فيها أقل بـ 29 في المائة من بقية مدن المملكة، وتم تخطيط البنية التحتية فيها بشكل مميز يخدم مقومات التنمية. وتتضمن الإستراتيجية إقامة مبادرة مهمة جدًا تتمثل في برنامج «الرياض الخضراء» لتشجير ملايين الأشجار في العاصمة، وهو ما يتوافق مع المتطلبات العالمية بحماية المناخ وخلق البيئة الصحية ليعمل البرنامج على خفض درجة الحرارة وكذلك مستوى التلوث، ويشمل ذلك إنشاء محميات ضخمة حول مدينة الرياض لتحسين الوضع البيئي لها.
وتشكل جميع أهداف الإستراتيجية ومحاورها ومقوماتها وممكناتها الاعتماد على أن يصل سكان العاصمة الرياض إلى ما بين 15 و20 مليون نسمة في 2030م، وهو يزيد عن الرقم المسجل حاليًا والبالغ 7.5 مليون نسمة. وبالتالي فإن العنصر الأساسي لبلوغ الإستراتيجية أهدافها هو عدد السكان، ولهذا الغرض تتركز الجوانب الإستراتيجية في الجهود التنموية على تسخير نمو السكان لتحقيق التنمية الاقتصادية في مدينة الرياض وتخطي الجدل في أدبيات التنمية الاقتصادية التي تناقش الجوانب الإيجابية والسلبية للنمو السكاني على التنمية الاقتصادية، بحكم أن المملكة من الدول سريعة النمو وذات دخل قومي مرتفع، والتأثيرات الإيجابية لعدد من العوامل الأخرى التي تضع المملكة من الدول التي تستفيد من نمو السكان فيها على المستويات التنموية والاقتصادية والاجتماعية والقومية.
ويبرز التساؤل الرئيسي حول مصدر زيادة عدد السكان لمدينة الرياض، الذي من شأنه أن يؤثر على بناء الإستراتيجية، ولهذا الغرض فإن تحديد هذه المصادر يسهم في بناء مراكز القوى الاقتصادية لدعم وتعزيز تأثير تلك المصادر على مستهدفات التنمية للعاصمة الرياض، وتبرز في الأفق المصادر التالية لزيادة عدد السكان بالرياض:
1- الهجرة طويلة المدى لأجل فرص العمل والزواج.
2- الهجرة متوسطة وقصيرة المدى للدراسة وغيرها من الأسباب.
3- توافد العمالة غير السعودية للعمل بمختلف الوظائف والأعمال.
4- السياحة والعلاج.
وتضاف إلى هذه المصادر الأربعة وغيرها من المصادر، النمو السكاني من خلال المواليد الجدد للسكان الحاليين في مدينة الرياض، لتشكل جميعًا العامل الرئيسي لزيادة السكان، وهو ما يتطلب توفير عوامل الجذب لها وحمايتها وتنميتها وتوفير الظروف والفرص لقيامها في دورها لزيادة عدد السكان، وتتسم تلك المصادر بكونها عناصر حقن في الاقتصاد من خلال دفع النفقات المقابلة لتواجدها في المدينة عبر الاستهلاك والاستثمار والاستيراد وبالتالي رفع اقتصاد الرياض إلى الأهداف التي تسعى الإستراتيجية إليها.
وتتطلب المرحلة القادمة مرونة إعداد الخطط الإستراتيجية وحقائب التنفيذ، وما تشمله من برامج ومبادرات وتحديد أصحاب المصلحة والعلاقة وإشراكهم في الإستراتيجية، وتقدير المحفظة المالية ومصادر تمويلها والخطوات النظامية ذات العلاقة، وعمل جميع قطاعات الدولة التي سيكون لها إسهام ويقع على عاتقها تأدية أدوارها لتحقيق هذه الغاية سواء في المبادرة والعمل الاستباقي منذ إعلان سمو ولي العهد -حفظه الله. هناك خطوات منتظرة من الصحة والتخطيط لمقابلة واستيعاب تزايد عدد السكان من خلال تجهيز البنية التحتية الصحية وإعداد الكوادر لتشغيلها، والسياحة وجودة الحياة والترفيه لوضع مراكز القوى الاستهلاكية لتلبية الاحتياجات، والصناعة والتفاعل مع الاقتصاد الأخضر، والبلدية والإسكان للتناغم مع بقية القطاعات والعمل على تنظيم التخطيط العمراني، والتجارة لتعزيز شبكات وسلاسل الإمداد ومراقبتها، وهكذا لبقية القطاعات بالتزامن مع وضع القطاع الخاص في محور الإستراتيجية والبدء منذ اللحظة في استشراف الفرص الاستثمارية وحشد التمويل والممولين لننطلق بعون الله نحو رؤية الرياض 2030.
والله الموفق