م. بدر بن ناصر الحمدان
ديناميكية التغيير على مستوى وظائف المدن السعودية في الخمس السنوات الأخيرة، والاختلاف الذي طرأ على أسلوب توجيه التنمية العمرانية على المستوى الوطني والإقليمي والمحلي، يبرهن أن المملكة أمام تقديم نموذج فريد على مستوى «الإدارة الحضرية» من أجل تمكين هذه المدن الكبرى والثانوية (المتوسطة والصغيرة) من قيادة التحوّل على مستوى التنمية الشاملة، نظرة سريعة على أهداف رؤية المملكة 2030 تبرهن أننا أمام مرحلة تستحق مزيدًا من التغيير على مستوى إدارة التنمية.
في اعتقادي الشخصي أن منظومة التخطيط العمراني - بتركيبتها الحالية - ستواجه تحديات كبيرة في المستقبل القريب للإيفاء بمتطلبات التطوير وفق الأبعاد الحضرية الجديدة التي تنتهجها وتشارك بها قطاعات الدولة كافة، والتي من شأنها إحداث مفاهيم جديدة في عقلية الممارسات التي تُعنى بمسارات التخطيط العمراني الذي تتشعب مسؤولياته بين وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان وأماناتها وبلدياتها، وهيئات تطوير المناطق، والهيئات الأخرى، وعدد من الأجهزة الحكومية ذات الاستقلالية والشخصية الاعتبارية، إضافة إلى أجهزة القطاع الخاص المختلفة والتي باتت لاعبًا رئيسًا ومؤثرًا في هذا المجال.
إنشاء «هيئة وطنية للتخطيط والتطوير العمراني» بالمملكة بات أمرًا مُلحًا لتولي مسؤولية «القيادة» و«التنظيم» و«التحكم» بسياسات وإستراتيجيات التخطيط العمراني بكل أبعاده المكانية وموائمتها مع القطاعات ذات العلاقة لضمان مستوى متقدم من «الضبط» و«الاستجابة» و«التنبؤ» بمستقبل المدن السعودية، إضافة إلى تمكينها من ممارسة دور رئيس وفاعل كمركز لعمليات التحوّل الحضري، من أجل جمع شتات هذا الحقل الذي يأتي على هرم أولويات التنمية المكانية.
قد يبدو الأمر معقدًا ومتداخلًا لدى المختصين والممارسين والمسؤولين عن حوكمة القرارات التخطيطية وهذا منطقي، لكن الوضع الراهن يدفع بنا إلى التفكير بشكل جاد لإيجاد منهج أكثر مرونة وفاعلية في إدارة التجمعات العمرانية بمختلف تدرجاتها، إذ إن بعض الأدوات الحالية - وإن بدت فاعلة - فهي تحتاج إلى بدائل تطوير مؤهلة للتعامل مع هذه المتغيرات بشكل مباشر.
أخيرًا فإن إنشاء وبناء هذه الهيئة الوطنية لن يكون قرارًا صعبًا، عطفًا على ما تمتلكه المملكة من رصيد وتجربة وخبرة في مجال التخطيط العمراني. الأهم أن نعي أن التأخر في إيجاد مرجعية وطنية للتخطيط العمراني قد يكلفنا الكثير في المستقبل.