إبراهيم بن سعد الماجد
العلاقات السعودية الأفغانية، علاقات متجذرة، بدأت قبل أكثر من تسعين عاماً، وذلك في عهد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -رحمه الله- وبالتحديد في شهر ذي الحجة عام 1350هـ عندما وقعت المملكة العربية السعودية، ولم تكن في ذلك التاريخ قد اتخذت هذا المسمى، حيث كانت (مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها) ومملكة أفغانستان، في زمن الملك محمد ظاهر شاه، معاهدة صداقة، وكانت أفغانستان أول دولة إسلامية تعترف بحكم الملك عبدالعزيز.
وازدهرت العلاقات السعودية الأفغانية بشكل سريع، حيث قام الملك محمد ظاهر شاه بزيارة رسمية إلى المملكة العربية السعودية والتقى بجلالة الملك عبدالعزيز -رحمهما الله- في سنة 1948م ومن ثم تلتها زيارة أخرى، بعد عامين من الزيارة الأولى لتأدية فريضة الحج، وكان يرافقه حينها الملك فيصل، حيث كان في ذلك الوقت نائب الملك في الحجاز.
وكانت الزيارة الأولى لملك سعودي لأفغانستان، تلك الزيارة التي قام بها الملك فيصل بن عبدالعزيز -رحمه الله- لأفغانستان سنة1970م استقبله خلالها الملك محمد ظاهر شاه، والتقى كبار المسؤولين، وألقى الملك فيصل خلال هذه الزيارة كلمة أشاد فيها بجهود الملك ظاهر شاه ووقوفه مع المملكة في قضية فلسطين وغيرها من القضايا العربية.
وبعد سقوط النظام الملكي الأفغاني، وتغيير النظام من ملكي إلى جمهوري استمرت العلاقات بين البلدين، فقام الرئيس داود خان بزيارة المملكة والتقى حينها بالملك خالد بن عبدالعزيز وذلك عام 1978م، وعقدا جلسة محادثات رسمية تناولت القضايا العربية والإسلامية والعالمية.
وبعد وقت قصير حدث انقلاب في أفغانستان، فانقلب الشيوعيون على داود خان وقتلوه، وتدخلت القوات السوفييتية في أفغانستان وأعلنت الحرب على الشعب الأفغاني ودعمت النظام الشيوعي، وعند هذا الحدث الكبير، لم تقف المملكة العربية السعودية مكتوفة الأيدي، بل وقفت ودعمت الشعب الأفغاني، وبذلت مجهوداً سياسيًا كبيرًا.
بعد رحيل السوفييت ومع اندلاع الحرب الأهلية بين القادة الأفغان، سعت المملكة إلى توحيد الصف الأفغاني، فسعت وحاولت، ونجحت باستضافة مؤتمر مكة المكرمة سنة 1993م، والذي تم تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله-، وكان مهندس هذا اللقاء صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل رئيس الاستخبارات السعودية -آنذاك-، ووقع القادة الأفغان معاهدة سلام ومصالحة، ولكن نظراً لشدة الخلافات بين الزعماء الأفغان ما لبثوا أن عادوا للاقتتال مرة أخرى، فعملت المملكة على حل هذه الأزمة، ولكن كانت الفرقة والخلاف بين الساسة الأفغان أكبر، ولم يسمعوا لمحاولات وقف القتال بين بعضهم البعض.
مواقف لا يمكن أن يصفها المنصفون إلا بالمواقف المشرفة، مواقف الأخوة الصادقة، القائمة على صدق الدعم، والحرص على استقرار هذا البلد الإسلامي الشقيق.
واليوم.. ومع سيطرة حركة طالبان كان للمملكة كما هو دائماً موقف واضح، وذلك من خلال بيان وزارة الخارجية الذي جاء فيه:
.. إن المملكة العربية السعودية تتابع باهتمام الأحداث الجارية في أفغانستان الشقيقة، وتعرب عن أملها في استقرار الأوضاع فيها بأسرع وقت، وانطلاقًا من المبادئ الإسلامية السمحة، وعملاً بقول المولى سبحانه وتعالى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} فإن حكومة المملكة العربية السعودية تأمل أن تعمل حركة طالبان وكافة الأطراف الأفغانية على حفظ الأمن والاستقرار والأرواح والممتلكات، وتؤكد في الوقت ذاته وقوفها إلى جانب الشعب الأفغاني الشقيق وخياراته التي يقرها بنفسه دون تدخل من أحد.