عبدالرحمن الحبيب
بعد كتابة 500 صفحة من قصة معقدة، أصبحت العملية صعبة الإدارة.. ففي خضم الكتابة، وصلتُ إلى نقطة بدأت أشعر معها أن لدي الكثير من الحبكات والشخصيات.. كان لدي كل الوثائق عن الجوانب العميقة لعالم القصة التي اخترعتها، لكن أصبحتُ قلقاً بشأن قدرتي على تتبعها كلها، وعندها تحولت أكثر إلى تخصصي في علم البيانات لحل مشكلة معقدة بها العديد من القطع المختلفة..
هذا ما ذكره محلل البيانات الأمريكي مايكل غرين، الذي تحول إلى روائي، وفي خضم محاولاته الروائية أفضى به المطاف إلى ابتكار منصة «لاينيت» Lynit، الرقمية لمساعدة المؤلفين على تخيل وتخطيط العناصر المختلفة كلها مع بعضها في نسيج واحد، مثل الشخصيات وجوانب الحبكة والمواضيع والأحداث الرئيسة التي تشكل القصة. التطبيق الآن في مرحلته التجريبية، ويُختبر من قبل عدد من الكُتاب. وهو حاليا مجاني، ويُمكّن المستخدمين من رسم وتحديث القوالب الرقمية المعقدة أو خرائط القصص (بيرند ديبوسمان جونيور بي بي سي).
يقول غرين إن العديد من الروائيين يبدؤون عملهم بأكثر قليلاً من فكرة عامة عن حبكة أو شخصية محددة، وباستخدام منصة «لاينيت» يمكن الإضافة بسهولة إلى هذه الفكرة الأولية.. «عندما يحصل المؤلف على فكرة جديدة يريد إدخالها في القصة، يمكن للبرنامج إدخالها في إطار طبيعي متخيل.. مضيفاً قطعة تلو أخرى إلى القصة، ومع ظهور أفكار جديدة، يحدث البرنامج تغييرات، ربما عن طريق إنشاء عقد جديدة (أو تداخلات)، أو علاقات جديدة».
هناك أسلوب آخر مختلف لمساعدة المؤلفين في النشر، حيث تذكر شركة كريزي مايبل ستوديوز التقنية إنها تساعد المؤلفين في بث الحياة لكتبهم، فبدلاً من مجرد إعطاء القراء كلمات في صفحة، فإن تطبيقاتها تضيف تشكيلاً فوتوغرافياً ورسوماً متحركة وموسيقى ومؤثرات صوتية، وبذلك تُمكّن القارئ من تحديد صورة للشخصية وما تفعله في القصة.
منذ بضع سنوات وبرامج الذكاء الاصطناعي تتطور لتمثيل اللغة إحصائيًا حيث تنتج نصوصاً إبداعية بالكامل وليس فقط مساعدة المبدعين، وذلك في مجالات شتى من قصص وأشعار ومقالات سياسية وفكرية وحتى فلسفية يصعب تمييزها عما يكتبه البشر، حيث تقوم بتشغيل نموذج لغوي آلي باستخدام شبكة عصبية اصطناعية لإنتاج نص يشبه النص البشري ورسم خرائط احتمالية تتبع بها الكلمات كلمات أخرى عبر شبكات عصبية اصطناعية ضخمة مدربة على النص لتوقع ما يمكن أن تكون عليه الكلمة التالية في تسلسل ما..
مثلاً، عدد المرات التي تلي كلمة أزرق بكلمة «بحر»، أو أحمر بكلمة «وردة». يمكن إجراء نفس النوع من التحليل على الجُمل، أو حتى على فقرات كاملة؛ فيمكنك مثلاً إعطاء هذا النموذج موجهًا قصيدة عن الورود الحمراء بأسلوب شاعر مبدع تحدده أنت، وسيبحث البرنامج في مجموعة العلاقات الإحصائية الخاصة به للتوصل إلى نص جمالي يطابق الوصف.
هناك بالتأكيد العديد من الإشكالات المبدئية على ما يمكن أن تفعله هذه النماذج اللغوية، مثل ما يتضمن الإدراك والتصرف والاستجابة السلوكية داخل النص، حسب أستاذ الفلسفة بجامعة نيويورك ديفيد تشالمرز؛ إذ قد يُنشئ هذا البرنامج نصًا صحيحًا نحويًا لكنه غير مرتبط بالواقع، مثلاً «أن الأمر يتطلب قوس قزح للقفز من هاواي إلى 17»، هي جملة بلا معنى. تقول ميلاني ميتشل، أستاذة الكمبيوتر عن البرنامج: «ليس لديه أي نموذج داخلي للعالم - أو أي عالم آخر - وبالتالي لا يمكنه القيام بالتفكير الذي يتطلب مثل هذا النموذج».
هذه البرامج «ليست عقلًا، ولكنها أيضًا ليس آلة بالكامل». حسب تعبير أستاذة فلسفة الإدراك ريجينا ريني (جامعة يورك)، موضحة بأنها شيء آخر: تمثيل تجريدي إحصائيًا لمحتويات ملايين العقول التي تم التعبير عنها بكتاباتهم. ينطلق نثرها من مسار استقرائي يستوعب كميات هائلة من مليارات كلمات الإنترنت البشرية. عندما يتحدث البرنامج، فنحن فقط الذين نتحدث عبر تحليل منكسر للمسارات الدلالية الأكثر احتمالية التي يسلكها التعبير البشري. عندما ترسل نص طلب البحث إلى البرنامج فأنت لا تتواصل مع روح رقمية فريدة، لكنك تقترب أكثر من أي شخص آخر يتحدث حرفيًا إلى روح العصر. ومن هنا ترى ريني أن البرنامج ينتج مزيجاً من الترابط المنطقي والافتقار للعقل مما يثير القلق، ويجعلنا نقترب خطوة أخرى من مشكلة معيارية.
إذا كانت التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي يمكنها تأليف الأعمال الأدبية من شعر وقصة أو الأعمال الفكرية من فلسفة، فإن المؤلفين بإمكانهم أن يلجؤوا لهذه التقنية لمساعدتهم في إكمال أعمالهم إذا استعصت عليهم، باستخدام التكنولوجيا لتبسيط عملية الكتابة وجعلها سلسة عندما تكون في منتصف مرحلة تأليف كتاب أو عند مرحلة مفصلية معقدة لم تستطع إدارتها ومعالجتها..
إلا أن الخبراء يحذرون من الإفراط في الاعتماد على هذه التقنيات، وأنها قد تؤدي بالروائيين إلى مجرد تشتيتهم عما يريدون عمله دون فائدة تذكر، لكن مايكل غرين يعتقد أن التكنولوجيا ستحتل مكانة أبرز، عندما يلمع جيل الكتاب الجدد الذين لديهم توجه تكنولوجي؛ ويقول: «ما أجده في جيل الألفية الجديد وحتى الكتاب الأصغر سنا هو أنهم ينظرون للتكنولوجيا لترشدهم.. إنهم يرونها كأداة للتعلم والنمو، بدلاً من كونها عملاً فائضا».