مها محمد الشريف
يرفض نيتشه (مقولة الفن للفن، وفي المقابل يعتبر الفن أكبر منبه من أجل الحياة ويستهدف التكوين الأخلاقي للناس) بمعنى يعالج الخلل بمفهوم ملتبس، غير أن الفعل الإنساني يخضع لشروط خارجية كثيرة، قد يترجم الفن بعضاً منها، فالفن الذي تحكمه طبيعة اجتماعية ترتبط بطبيعة الأفراد في فعل ما يشاءون، وبالتالي قد يثمر عن نتائج إيجابية.
وانطلاقاً من الكثير من الانطباعات عن العروض الرمضانية السابقة من مسلسلات وأفلام، فقد كانت ترجمتها الفورية عنف وقتل ومشاهد تفجيرات تجلب لك الصداع والبؤس، فهل هو عمل يرتبط بشكل جوهري بالواقع اليوم في الدول التي تعاني من الفوضى وانعكاس للواقع الذي تعيشه بعض المجتمعات سواء بسبب ضغوط اجتماعية أو اقتصادية وليس لها علاقة بالكائن الإنساني المستقر سياسياً واجتماعياً، أم هو مفهوم لا يدركه ولا يأخذ معناه، إلا في مجاله المادي، وتحليل لمفاهيم سياسية راهنة تجرد الناس من أي تفرد وتخضعهم لحالة واحدة ؟.على اعتبار أن الفن مقترن بالسياسة كمسألة تقنية محضة ولا علاقة له بالأخلاق.
وكلما توسع الناس في معرفة الفن بوصفه مهارة إنسانية على نحو كافِ، وأداة لكسب الرزق فهو لا يمكن أن يكون نشاطاً مفروضاً بصورة إلزامية، حيث توزع الأعمال الفنية على جميع الفضائيات ويشاهدها الفرد رغماً عنه بما فيها تلك المسلسلات المكتظة بالعنف والكراهية والكثير من مشاهد الضرب والقتل وتفاصيل دقيقة حرص المخرج على تضخيمها، فهل يتحمل مسؤوليتها الفنان أو المؤلف والمنتج وكاتب السيناريو؟، فهل هذه هي الغاية من تسويق العمل عطفاً على التقلبات السياسية في العالم؟، فهناك عدد من المسلسلات تضمنت أعلى معدلات عنف ضد المرأة مما أوجد الفجوة الكبيرة بين الأدوار والحياة الواقعية، وعكست نتائجها فقدان الكمال الفني الذي ينتظره المشاهد، والمشاهدة الممتعة لأسرة تجتمع حول الشاشة.
لذا فالسعي نحو القيمة الفنية يمد جسراً للمرور بين العرض والمشاهد، وبالتالي ليس بالضرورة أن تقتضي الدراما المعروضة على التهريج والإسفاف أيضاً، ولابد أن تعتمد النصوص بشكل واضح على قدرات فنية عالية، والتزام بقواعد تضبط العلاقة بين شخص الفنان والدور الذي يقوم بتأديته، وخيارات متعددة تتيح للإعلام فرصاً للمحافظة على الذوق العام واحترام وعي المشاهد.
لقد حل محل الفن اليوم في خضم التقنية الحديثة عنف قد أصبح مبرراً يسمى أعمال فنية وذلك يتوجب المساءلة عن تقديم هذه الأعمال، في شهر مختلف ليس ككل الشهور ومجمل الناس ينتهز هذه القداسة للتفرغ للعبادة، وإما أن نبحث في البنية العميقة عن ترتيب يحاكي صفات الناس وثقافاتهم، أو نترك الناس تبحث عن برامج متنوعة لها محددات الإنسان ومكوناته الأساسية عوضاً عن مشاهد سطحية بين نمطين مختلفين من الحياة الاجتماعية والعنف وبينهما تطابق أقل عمقاً يتطلب ترشيداً لمشاهدة هذا العنف وفق ما يحفظ للبشر إنسانيتهم، لا ينظر إلى عصر واعٍ له علاقة بالتقنية والعلم وعصر الانفتاح. بل يحشدون الناس خلف الشاشات بأسلوب خاص حيث تُفرض عليهم تلك الأعمال التي تسمى فنية والتي لا تعتبر استجابة مباشرة لحاجات وضرورات إنتاج قيم جمالية تتوافق مع تطور المجتمع دون عنف وصراعات.
وليس هذا غريباً إذا قلنا: هي أزمة ثقافية حول مفهوم الفن، وكتاب النصوص، وقدرات متواضعة لا تتعامل مع مجتمع عصري يعي ويعلم ما يدور في العالم، فلا يمكن أن تعتقل إرادة الناس وتمارس الدخول قسراً إلى حياتهم بشكل مطلق، لتغييب الوعي الذي يجسد العلاقة بين الجانب النفسي ومحيطه ومصادر رغباته، وسلب كل ما هو إنساني في الإنسان، وبعثرة الفعل الأخلاقي في غياب الرقيب المؤهل للحفاظ على المواقف من التناقض، في ضوء التساؤلات السابقة.
لقد انحدر المستوى الفني لأغلب أعمال الدراما والكوميديا، تحت طائلة التجارة والمادة، مما أفقد الشخص استقلاله وقدرته على المبادرات وصقل مواهبه، وبقي تحت تصرف الإنتاج وشروطه، وأوجد ثغرات في العلاقات الإنسانية وخلافاً بين الشركاء، وانعكس ذلك سلباً على صياغة العروض وانتاب مضمونها العطب، إن كثيراً ممن انساقوا للعمل الفني حديثو عهد بتقنية الفنون، وعلى المختصين جلب الخبراء والعمل معهم لكي تتحقق الأهداف والقصد هنا يشمل الأعمال الأجنبية والعربية.
إن لرهافة الذوق دوراً كبيراً في إدارة أعمال فنية أكثر نبلاً وفاعلية على المجتمعات، فلابد أن ندرك أن الجوانب الحسية في الإنسان تستدعي خبراء محظوظين في هذا العصر لجذبها، لأن كل ما يدور هنا وهناك ينبثق من فكرة التضحية بالذات من أجل حياة أفضل.