حمّاد بن حامد السالمي
* يعيش العالم في أيامنا هذه؛ على وقع حرائق الغابات التي يستعر أوارها في دول كثيرة، ومنها تركيا واليونان وإيطاليا والجزائر وتونس وإسبانيا. هذا بعد حرائق كبيرة أخرى في الولايات المتحدة وكندا وأستراليا وسيبريا وغيرها. حرائق تأكل الأخضر واليابس، وتستعصي على محاولات حصرها وإطفائها أو الحد من انتشارها في شهر آب اللهاب؛ الذي تصل فيه درجات الحرارة إلى أعلى مستوياتها.
* ماذا يقول خبراء البيئة والمُنَاخ في هذه الظاهرة التي دمرت الغابات وذهبت بأرواح عشرات ومئات الأشخاص..؟ صدر تقرير تاريخي للأمم المتحدة حول تغير المناخ، يوم الاثنين 9 أغسطس/آب الجاري، قال: (إن حرائق الغابات المدمرة في عام 2021 حطمت الأرقام القياسية). مشيرًا إلى أن الأقمار الصناعية تتعقب كل شيء، ففي الولايات المتحدة، أصبح حريق ديكسي أكبر حريق هائل في تاريخ كاليفورنيا، حيث دمر أكثر من 700 ميل مربع (1.811 كيلومترًا مربعًا) من الأرض (اعتبارًا من 8 أغسطس). واضطرت دول أوروبية حول البحر الأبيض المتوسط، مثل اليونان وتركيا وإيطاليا، إلى إجلاء السكان، وكذلك السياح، من العديد من وجهات عطلاتهم التي يقضونها عادة بين المناظر الطبيعية الخلابة هناك. و(مارك بارينجتون)، كبير العلماء في خدمة مراقبة الغلاف الجوي (كوبرنيكوس) قال: (في كل هذه المناطق، شمال غرب الولايات المتحدة وسيبيريا والبحر المتوسط، نتوقع بعض الحرائق في الصيف، لكن السمة المشتركة هذا العام؛ هي موجات الحرارة غير العادية، وظروف الأسطح الجافة، مما يعني أن مخاطر الحريق عالية. ونتيجة لذلك؛ نرى تلك الحرائق تشتعل لفترات أطول بكثير مما نراه في العادة).
* تم تعريف هذه الظاهرة بحرائق الغابات، أو حرائق البراري ((Wildfire ويطلق عليها اليوم اسم: (العواصف النّاريّة). يذكر أنه من خصائصها: (استحالة السّيطرة عليها بسهولة، وأنها لها قوة تدمير قوية بالبشر والشجر والحجر). ويقول مختصون: (إن للعواصف النّاريّة أنواعًا متعددة، فهي تنشأ إجمالاً من تلقاء نفسها في الطّبيعة والمناطق الحرجيّة، التي تحتوي على كميّة كبيرة من النّبات سريع الاشتعال، ولهذا السّبب تتأخّر فِرق الطّوارئ للتّدخّل ما يُصعِّب مهمّتهم في إخماد النّار). من الواضح إذن؛ أن حرائق الغابات هذه؛ تعود لأسباب طبيعية أو بشرية.
* كلنا نعيش على هذا الوقع اليومي المؤلم، ونتابع ما يبث وينشر عن حوادث الحرائق هذه مع كثير من المفارقات، فمن هذه المفارقات؛ ما صدر عن الرئاسة الجزائرية التي تتهم متسببين في إشعال حرائق الغابات، وقامت السلطات هناك باعتقال متهمين حول هذه القضية، وربما الحال في عدد من البلدان المشتعلة فيها الغابات مثل حال الجزائر، في وجود أسباب أخرى خلاف ارتفاع درجة الحرارة والتغيرات المناخية الملموسة عامًا بعد عام. ومن المفارقات؛ أن يقول الناس إن العالم لم يشهد مثل هذه الحرائق من قبل، وهذا غير صحيح، ذلك أن العالم في شرقه وغربه؛ مر بحوادث مثل هذه وأسوأ منها، فالحرائق والنيران قديمة قدم الدهر، ولعل اكتشاف الإنسان الأول لشواء اللحم بدلًا من أكلها نيئة؛ كان بسبب حريق هائل في الغابات، ولكن النار مثل ما لها من منافع؛ لها مضار عظيمة كفانا الله شرها. ومن ذلك: حريق روما الرهيب.. (حرائق نيرون). فيقال إن الإمبراطور نيرون (المجنون) هو من أشعل روما سنة 64م. ثم حريق نيويورك الشهير الذي كان بفعل فاعل، ففي أثناء الحروب الثورية بمدينة نيويورك سنة 1776م؛ قام أحد ضباط الجيش بإصدار قرار بحرق المدينة. وهناك حريق شمال إنجلترا، ففي سنة 1666م شب حريق بسيط في مخبز سرعان ما شمل جميع أنحاء لندن، حتى أنه أحرق شمالها تمامًا. ثم حريق شيكاغو سنة 1871م الذي شرد 90 ألف شخص، وقضى على 300 نفس؛ كان بسبب أن أحدهم أشعل سيجارة داخل حظيرة للحيوانات.
* وهناك حريق موسكو بسبب حملة نابليون على روسيا سنة 1812م، ثم حريق كوبنهاجن بالدنمارك الذي قضى على التراث في سنة 1728م. ثم حريق الزلزال الرهيب بطوكيو، الذي عده المؤرخون أكبر حرائق العالم حتى اليوم. حدث هذا سنة 1923م، عندما وقع زلزال شديد جدًا بمدينة طوكيو باليابان، نتج عنه حريق زاد الموقف صعوبة مع وجود الزلزال، وانتشر الحريق بصورة رهيبة، وسرعة أكبر رهبة، وقد احترق الكثير من المنازل، حتى أنه لقي فيه أكثر من 142 ألف شخص مصرعهم بسبب الزلزال والحريق، وكان من نصيب الحريق 38 ألف نفس. هذا وغيره كثير لا يُحصى من حوادث الحرائق في العالم.
* من أمثال العرب بهذه المناسبة: (معظم النار من مستصغر الشرر)، والمثل على شموليته في قضايا كثيرة تحيط بحياة الناس؛ إلا أن كل حريق مبدؤه دون شك شرر من نار؛ ما تلبث أن تعم وتتسع حتى تصبح كارثة إنسانية وبيئية. وفي الشعر الجاهلي؛ تصوير لما بعد حريق لحيّ خلّف آلامًا ومآسيَ، فقال الشاعر:
دار حيّ أصابهم سالف الدهر
فأضحت ديارهم كالخلال
مقفرات إلاّ رمادًا غبيّا
وبقايا من دمنة الأطلال
* ومن طرائف العرب في علاقتهم بالنار؛ أنهم كانوا يستقبلون المسافر منهم العائد غانمًا وسالمًا بالنار..! وتلك النار كانوا يسمونها (نار السلامة). وقد يسجرونها بالغار والصندل كما في هذا البيت:
ربّ نارٍ بتّ أرمقها
تقضم الهندي والغار