سلمان بن محمد العُمري
كلما استمعت إلى حديث مباشر لأحد كبار السن عن الظواهر الاجتماعية السائدة لديهم في زمانهم أو عن الحالة الاقتصادية أو روايتهم لبعض الأحداث المحلية والخارجية التي عاصروها وعايشوها إلا وتمنيت أن يكون لدي لاقط لتسجيل حديثه التاريخي الشيق أو تسجيل بالفيديو، وتزداد المتعة والشوق حينما يكون المتحدث طرفاً في موضوع الحديث أو شاهد عيان عليه.
لقد كان للمهرجان الوطني للتراث والثقافة «الجنادرية»، ودارة الملك عبد العزيز جهود سابقة في توثيق التاريخ الشفوي ظهرت بعض منتجاتها في إصدارات الجنادرية قبل ثلاثين عاماً فيما لم نشاهد توثيق الدارة حتى الآن، وكم أتمنى أن تستمر هذه الجهود أولاً، وأن نرى ونقرأ ونسمع ثمار هذا التوثيق والحفظ للتاريخ.
ومع ظهور وسائط وسائل التواصل واستخدامات الجوالات «الهواتف المحمولة» وأجهزة الحاسوب الصغيرة ظهرت لنا بعض المقاطع المصورة لأحاديث سابقة سجلت بجهود فردية أو عبر برامج تلفزيونية سابقة، ومن أبرز ما تم ظهور مجموعة لقاءات تلفزيونية أعدها الإعلامي المتميز الدكتور عبدالرحمن الشبيلي -رحمه الله- قبل ما يزيد على أربعة عقود، وهذه اللقاءات كانت مع مجموعة من القامات ممن أسهموا في بداية تأسيس المملكة العربية السعودية، وممن عاصروا العديد من الأحداث والتواريخ المهمة في بلادنا، وكانوا شهوداً على التاريخ في مراحل متعددة.
ولايزال بيننا الكثير من كبار السن في مختلف مناطق المملكة ممن لا يزال لديهم وفي جعبتهم العديد من الذكريات التي تستحق التدوين والتوثيق، وأتمنى ألا ينتظر المحيطون بهؤلاء الجهود المؤسساتية للقيام بهذا الدور لأن مثل هذه الأعمال من اختيارها وحتى إقرارها قد تأخذ أشهراً إن لم يكن أعواماً حتى يتم البت فيها، ومن ثم قد نكون قد فقدنا هؤلاء وطواهم الموت وأوسدوا الثرى، لذا فليبادر الأفراد بالتوثيق لأحاديث آبائهم وأجدادهم وأعمامهم وأخوالهم وممن يحيطون بهم ويسجلوا مواقفهم وتاريخهم السابق قبل أن نلتفت في قابل الأيام ونعض أصابع الندم أننا فرطنا بعدم توثيق وتدوين تاريخهم وتاريخ بلادهم ومجتمعهم.
إن مما يذكر ويشكر لعدد من الباحثين والمهتمين بالتوثيق جهودهم التي بذلوها في التسجيل والتدوين والتصوير، ولعلي أستشهد هنا بباحثين كبيرين اهتما بالتدوين والتوثيق تسجيلاً وتصويراً، وهما الشيخ محمد العبودي عن تسجيله مجموعة من المقابلات الشخصية خلال إعداده المعجم الجغرافي لبلاد القصيم وكتبه الأخرى، وكذلك الباحث الدكتور سعد الصويان حين إعداده معجم الأشعار النبطية فقد التقوا بكبار السن ووثقوا ما استمعوا إليه منهم فيما يختص ببحوثهم وغير وغير هذين الرجلين كثير من الباحثين وهي جهود فردية أثمرت عن منتجات علمية في غاية الأهمية، ومازلنا ننتظر الكثير والكثير في توثيق التاريخ العام بكافة أشكاله الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية، وأن يكون هناك لجنة من الجهات ذات العلاقة تتولى توزيع الأدوار والمهام وفق كل اختصاص ومجال. والله من وراء القصد.