الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
نبه عدد من المتخصصين في العلوم الشرعية، إلى ظاهرة اجتماعية بدأت في الظهور على السطح بشكل مقلق، وهي «تأزم العلاقات بين الإخوان والأخوات، وذلك بسبب الزوجة أو الزوج أو الأبناء والبنات، وربما كانت المشكلة يسيرة تافهة لا تستحق تأجيجها وإثارتها، وقد تكون بسبب اختلاف وجهات نظر جاء من يشعل فتيلها ويزيدها اشتعالاً، وربما تكون بسبب أمور مالية جراء مداينة أو تركة.
وأكدوا على ضرورة تحجيم تلك الظاهرة التي تهدم الكيانات الأسرية، وبيان المخاطر الشرعية والاجتماعية على الأسرة والمجتمع.
الدم في العروق
يقول الدكتور صالح بن عبدالعزيز التويجري أستاذ العقيدة الإسلامية بجامعة القصيم وغيره في معرض الحديث عن هذه الآفة الاجتماعية أن علاقات الإخوة ليست علاقات صداقة تنهيها حين تجف منابع الصداقة أو ينشغل الصديق وتتباعد مقتضيات العيش والحياة، وهي دم يجري في العروق، لذلك حتى لو تجاهلت وجوده في حياتك فستصرخ كريات الدم في عروقك لتشعرك بالحنين إليه، وكما قال -صلى الله عليه وسلم-: (ليس الواصل بالمكافئ)؛ فإن زرتني زرتك، وإن أعطيتني أعطيتك، وإن أحسنت إليّ أحسنت إليك؛ فمن يقيسون عطاء الإخوة بقانون الأخذ والعطاء لن يحصدوا سوى جفاف المشاعر وتصحر الأحاسيس وتباعد المسافات.
وشدد في ذلك الدكتور صالح التويجري على ضرورة أن تضع خطوطا حمراء لزوجتك (أو لزوجكِ)، ولأبنائك وبناتك حين يكبرون ولا تسمح لهم بتجاوزها فيما يختص بإخوانك وأخواتك؛ فأغلب مشكلات القطيعة بين الإخوة تكمن في تدخل الزوجات أو الأزواج والأبناء والبنات وإيغار صدور الإخوة على بعضهم بعضا؛ لذلك لا تسمح لهم أو لغيرهم أن يتدخلوا في تشكيل إطار علاقتك بإخوتك ويدفعوا بك نحو طريق القطيعة والبعد، وإذا ما سمحت بذلك فسترى المشهد نفسه يتكرر بين أبنائك والقطيعة تدب بينهم وأنت تتحسر عليهم خاصة أن ترحيل المشكلات يزيدها تعقيداً وتدخل الغيرة، وأشار أكثر من مفكر ومصلح ومستشار إلى أن روعة الإخوة أن تشعر أختك أو أخاك بقيمته في حياتك وباشتياقك له، وبأن أمره وهمومه ومشكلاته تعنيك، وبأن دموعه تنحدر من عينيك قبل عينيه، وأن تسنده قبل أن يسقط، وأن تكون عكازه قبل أن يطلب منك ذلك؛ فالأخوة ليست أسماء مرصوصة في بطاقة رسمية، ولا أوراقا مرسومة في شجرة العائلة، ولا أرقاما هاتفية مسجلة في هاتفك، مذكراً الجميع بالرحم الذي مررتم به وقبل ذلك الأب الذي كنتم شغله الشاغل حتى تضعضع حين ترعرعتم وشاب عارضاه لأجلكم كلاهما يرسمون لكم لوحة جميلة لتكملوا المشوار بأمان، وحين نغلق منافذ الوشاية نريح ونستريح ونعفي كل القطاعات الحكومية والأهلية من معرة الترافع والقطيعة.
أسباب الخلاف
ويؤكد الدكتور ناصر بن عبدالله الودعاني المحامي والمستشار الشرعي وجود الظاهرة، ونحن كمحامين نراه مع الأسف بكثرة ولاسيما في هذه السنوات الأخيرة، ولهذه أسباب عديدة من أهمها في نظري ما يلي:
إن شراكة الإخوة تكون عشوائية وغير مكتوبة ولا محررة فتكون عرضة للاختلاف مستقبلا، والأبناء يرون عمل والدهم دون عمل أعمامهم فإذا كبر والدهم وضعفت قواه تحكموا فيه وصاروا يحثونه على الانفصال والقطيعة فتكون الخلافات، كما أن التأخير في قسمة تركة مورثهم من أسباب وقوع الخلافات، وكذلك خلط الأموال بين الإخوة وعدم تمييز أموالهم الخاصة عن أموالهم المشتركة سواء التي أصلها من مورثهم أومن شراكاتهم السابقة، كما أن الشراكة غير المتوازنة بين الإخوة كأين يقوم بعضهم بالعمل ويدفع المال وبعضهم لا يفعل شيئا هو سبب للخلاف مستقبلا، ناهيك عن ضعف الوازع الديني وعدم الاهتمام بالسمعة الاجتماعية من أسباب وقوع الخلافات، ومبالغة بعض الإخوة فيما يقوم به ونقل أخبار إنجازاته المتوهمة لأولاده يجعلهم يعتقدون أنه مظلوم وأن حقوقهم في المستقبل ضائعة عند أعمامهم تجعلهم يقعون في النزاعات.