أ.د.عثمان بن صالح العامر
الفلسفة اليونانية كما هو معلوم هي الجذر لكثير من المذاهب الغربية والنظريات الفكرية المعاصرة، ومن بين هذه المذاهب ذات الصيت (النسوية)، وربما ظن البعض أن النسوية الغربية المعاصرة -التي امتدت حتى وصلت إلى كثير من بلاد العالم، وكان لها صداها الواسع في الأوساط النسائية خاصة وما زال- حديثة عهد، ولم توجد في الواقع المعاش إلا مع سك هذا المصطلح على يد (شارل فوربيه) سنة 1871م، وما علم هؤلاء أنها كفكرة ولدت في أثينا حين كانت النظرة للنساء نظرة دونية من قبل عدد من الفلاسفة والساسة، بلغت النسوية اليونانية ذروتها مع بداية القرن الرابع قبل الميلاد، إذ كتب أرستوفان كوميدي (الإكليزيا روست) (نساء الجمعية)، وتدور أحداث هذه المسرحية حول نساء أثينا يتخفين في زي الرجال، ويملأن مقاعد الجمعية التشريعية أو النيابية، وترجح أصواتهن أصوات أزواجهن وإخوانهن وأبنائهن، ومن ثم يختار منهن حكام الدولة. وتتزعم هذه الحركة امرأة تدعى (براكساجورا) المعروفة بحماسها الشديد لنيل نساء أثينا حقوقهن السياسية، وفي الوقت ذاته اتهامها بنات جنسها بالغفلة لأنهن يرضين أن يحكمهن الرجال البلهاء. وتقترح هذه النسوية اليونانية أن تقسم ثروة أثينا بالتساوي بين المواطنين الرجال والنساء دون الأرقاء، الذين يفسدهم المال والذهب.
الجدير بالذكر هنا أن نغمة كراهية المرأة واحتقارها وازدراء جنسها كانت قوية وواضحة في مجتمع أثينا منذ بداية الأدب اليوناني، فطبقًا لرواية الشاعر هزيود في (الأعمال والأيام) فقد عاش الرجال على الأرض فترة طويلة أحراراً بلا مرض ولا تعب وجهد، ثم ظهرت (باندورا) للمرة الأولى فجلبت معها الشرور والشقاء للعالم، ومنها ظهر جنس خبيث وقبائل من النساء، ومصدر عظيم للأذى، وعاشت جنبًا إلى جنب مع الرجال الفانين).
لم يكتف هزيود بنسبة انحطاط الجنس البشري لظهور المرأة الذي يعدُّ في نظره العقاب الأزلي للرجل، بل جعل وظيفتها في الحياة تنحصر بالإنجاب، والقيام بأعمال المنزل، ولذا على الفلاح أن يحصل أولاً على المنزل ثم المرأة ثم الثور الذي يحرث الأرض، مع وجوب عدم الثقة في المرأة بأي وجه من الوجوه.
والشر الأنثوي موجود عند هوميروس سواء في ملحمة الإلياذة أو الأوديسة مثل ما هو موجود عند هزيود، ولذا كانت فضيلة المرأة التي يحدد مقياسها ويضع معيارها الرجل اليوناني تتعلق بالجمال، واعتدال القوام، والمهارة في الغزل والنسج، والقيام بأعمال المنزل، وقبل هذا وذاك الإخلاص في الحياة الزوجية.
الشيء الذي يجب التأكيد عليه هنا أننا باعتبارنا مسلمين لسنا المجتمع اليوناني في نظرته لجنس النساء، ومن وضع المعايير والمقاييس في تحديد الفضيلة للجنسين الرجال والنساء هو الله عز وجل خالق البشر، العالم بما هو خير لهم في الدارين الدنيا والآخرة، المقرر المفاضلة في مواضع والمساواة في أخرى، و{...لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ...} وإلى لقاء والسلام.