د. محمد بن إبراهيم الملحم
كل من لديه معارضة من نوع ما في مسألة تدريس اللغة الإنجليزية فهو متخلف رجعي وسبب لتوقف عجلة الحضارة والتقدم، هذه السيكولوجيا هي التي تقف حجر عثرة في تقدم تدريس اللغة الإنجليزية في بلادنا، وقد تستغربون ذلك ولكنها جزء من الحقيقة المرة، والتطرف شيء مذموم وقبيح سواء كان في اليمين أو اليسار، أقول ذلك لأني مقدم اليوم على طرح رأي يجعلني عند بعضهم من الرجعيين الذين يشكلون جبهة مقاومة التغيير سبب كل شر، فأنا من معارضي تدريس اللغة الإنجليزية في الصف الأول والروضة وأقف إلى صف الباحثين العلميين الذين يرون ضررا في تدريس اللغات الأجنبية للطفل في هذه المراحل المبكرة جدا، وهذا لا يقتصر على تدريس الإنجليزية للطفل العربي أو السعودي وإنما تدريس أي لغة أجنبية لأي طفل في العالم فهناك نتائج لدراسات عالمية تؤيد هذا المنحى، الدكتورة النمساوية سيمون فيننغر Simone E. Pfenninger والمتخصصة في اكتساب اللغة الثانية توصلت من خلال أبحاثها إلى أن طلاب المرحلة الثانوية النمساويين الذين بدأوا تعلّم الإنجليزية من الصفر سرعان ما أدركوا مستوى من تعلموها مبكّرا، وخلصت إلى أن «تكثيف الدروس» أهمّ من التبكير بالتدريس أو من عدد الدروس التي تمّ تلقيها، وهذا مشاهد لدينا في تدريس شركة أرامكو للغة الإنجليزية فطلاب الثانوية الذين يلتحقون ببرنامج التدرج الوظيفي والذي يبدأ بسنتين دراسة تتسم بالدراسة المكثفة للغة الإنجليزية يحققون مستوى جيداً للغة مع أن بعضهم ربما كان ضعيفاً فيها في المرحلة الثانوية، ويعود السبب فعلا إلى تكثيف التدريس مع جودة المعلمين.
أنا لا أدعو إلى بدء تدريس الانجليزية من المتوسطة أو الثانوية بل أنا مع التبكير في تدريسها للطالب ولكن ليس منذ الصف الأول! لأسباب كثيرة سأعرضها لكم، وقبل ذلك أوضح أن المتأمل في الكتابات العلمية حول تأثير اللغة الأجنبية في اللغة الأم (والعكس أحياناً) وكذلك متى يبدأ تعليم اللغة الأجنبية وفي أي عمر، يجد تبايناً شديداً جداً لدرجة أنك إن كنت من أنصار أي من الجانبين ستجد من النظريات والأبحاث ما يكفيك لتدلل على أن توجهك هو الأصح وغيرك هو الخطأ، وفي هذا من الخطل ما فيه، وربما كان هذا هو السبب الذي جعل كثيرا من الدول تتفاوت في استجابتها لتعليم اللغة الأجنبية المبكر، حتى انتقلت من تطرف إلى تطرف، فالتطرف الأول هو تدريسها في سن متأخرة (المرحلة المتوسطة أو الثانوية) والتطرف الثاني هو تدريسها منذ الطفولة المبكرة في الروضة مثلا. ولا شك أن التوسط هو الحل الأمثل، وهو منهج من ينادون بالتريث حتى يكمل الطفل سنتين إلى ثلاث من التعليم الابتدائي حيث يتعلم فيها أسس لغته الأم ثم تقدم له بعدها اللغة الأجنبية، أما التدريس من السنة الأولى فهو إن لم يؤثر في كل الطلاب كما تقول بعض الأبحاث «المؤيدة» التي تستخلص نتائجها من دراسة «غالبية» الطلاب كما تقتضيه التحليلات الإحصائية في هذه الأبحاث «الكمية»، فيكفي أن يؤثر سلبيا في نسبة قليلة منهم لنقول إنه توجه ضار، ولم أجد أحداً يدعي (نظرياً أو تطبيقياً) أن بدء تدريس اللغة الأجنبية في الصفوف العليا من المرحلة الابتدائية كالصف الثالث أو الرابع يضر بالطالب أو لا يحقق جودة تعلم اللغة، والأساس العلمي في ذلك هو ما يسميه علماء اللغويات فترة السن الحرجة لتعلم اللغة (أي لغة، حتى اللغة الأم) ففي عام 1967 قدم عالم اللغة لينيبرج Lenneberg نظريته حول فترة السن الحرجة Critical Period لتعلم اللغة، وأيده شومسكي Chomesky وآخرون في ذلك وحددت أنها سن الحادية عشرة أو الثانية عشرة، أي أنه ينبغي تدريس الطفل اللغة الثانية أو الأجنبية قبل هذه السن، وهذا يعني أن تعلم اللغة يكون في المرحلة الابتدائية على العموم قبل أن يبلغ الصف السادس الابتدائي، وفي الواقع أن تدريس اللغة من الصف الرابع مثلا (كما هو الحال الآن) يعطي الطالب فرصة ثلاث سنوات ليتعلم فيه اللغة وهي كافية جدا ولكن ليس بحصتين أو ثلاث أسبوعيا (وهذه أزمة أخرى لدينا!) فيجب أن يكون تعليم اللغة مكثفا لتظهر آثاره كأن تكون حصة يميا على أقل تقدير. أما المبالغة في التدريس بدءاً من الصف الأول فهي عالمياً أمر محل نقاش على الدوام، ولا يبرر هذا الاختيار ممارسات كثير من الدول (مع الأسف) بتدريس اللغة الأجنبية من الصف الأول، مع أن هذه الدول لديها جدل دائر حول ذلك في أدبياتها ونقاشات مثقفيها والمختصين. وكما ذكرت آنفا فإن التدريس من الصف الرابع ليس عليه غبار ولا يختلف عليه اثنان كما هو حال التدريس متأخراً في المرحلة المتوسطة أو مبكراً جداً في الروضة أو الصف الأول. لدينا في السعودية ظروف أخرى تجعل من هذا القرار غير موفق سأتحدث عنها لاحقاً بإذن الله.