مها محمد الشريف
ما زال الغرب وعلى رأسه أمريكا يصدع رؤوس العالم بمبادئه وقيمه الديمقراطية التي بات يتخذها ذريعة لاحتلال الدول مثل ما حدث في الغزو على أفغانستان والعراق وتحويلها إلى دول فاشلة تحاول لململة جراحها بعد أن عمتها الفوضى والاقتتال الطائفي والعرقي وأهدرت ثرواتها وعقود من عمر شعوبها ثم بتوقيع بسيط يعلن انسحاب الجيش الأمريكي بأمر من رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ليبدأ فصل جديد من العبث والفوضى بتلك الدول التي كانت على الأقل مستقرة بالحد الأدنى ليبقى الناس آمنين على حياتهم وممتلكاتهم
فهنا تحاكي الفلسفة واقعنا حيث تجدر الإشارة إلى أن قصة هذا الحدث الكبير الذي ابتدأ بالصخب وانتهى بالضجيج، لم تستوعبه معظم العقول وتم التنفيذ بسرعة هائلة ما يفضي إلى أن الديموقراطية لها تداعيات خطيرة تبدأ بارتفاع مستويات الجريمة وتدهور معايير السلوك والأخلاق وسهولة الدخول في حروب شاملة ومدمرة كما عرفها الفلاسفة، ويعيشها العالم الغربي، وهكذا كانت أهداف القصة وما تركته من أثر عميق في واقع الأمر وظل كل شيء تحت ضوء الديموقراطية التي صدعوا العالم بها حتى بات التلاعب بالعقول يستخدم سيناريو قديماً يتجدد مع كل ولاية رئاسية جديدة، فكثير من الأسئلة المحيرة تخترق جدران الواقع تبحث عن إجابات محددة وليست عائمة، ماذا فعلت أمريكا خلال عشرين عاماً بأفغانستان ثم تعود البلاد لحكم من أقصتهم؟، لماذا عادت حركة طالبان؟ وماذا سيكون مستقبل أفغانستان ومحيطها الدولي؟، يبدو هنا مرة أخرى أن السياسة الأمريكية تعكس الحقيقة السيئة للمستعمرين لأن كثيرا من تلك العروض تمثل أشياء واقعية مغلفة بحبكة محكمة تستخدم فيها السيطرة على الأهداف وكسب المعركة بأي ثمن فضلا عن نظرية الإغراق التي تجعل الشعوب أكثر إذعاناً فهل الهلع الذي أصاب الشعب الأفغاني من طالبان وقدراً كبيراً منهم يسعى خلف الطائرات الأمريكية وتتعلق بها آمالهم قبل أرواحهم ألم يعلموا أنها هي من سلمت البلاد لحركة طالبان التي صنفتها إرهابية قبل 19 عاما وأزاحتها من السلطة واليوم تنسحب وتسلمها السلطة؟
في هذا الصدد يواجه المجتمع الأفغاني تهديداً دائماً مزدوجاً وبعد هذه الأحداث سيكون للحياة أنماط حياة معقدة ومجهولة، وخلال هذه الأحداث يأتي خطاب بايدن مؤيداً للانسحاب الذي وقعه دونالد ترمب ونفذه بايدن في الوقت الذي تواصل فيه حركة طالبان المسلحة السيطرة على مناطق عدة في جميع أنحاء البلاد، والقوات الأمريكية تنتشر في أفغانستان منذ ما يقرب من 20 عاما، في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001، وقد عبر المجتمع الدولي عن قلقه بتداعيات الحدث الافغاني وأعلنت السعودية أنها تتابع باهتمام الأحداث الجارية في أفغانستان، وتعرب عن أملها في استقرار الأوضاع فيها بأسرع وقت، وذلك بعد سيطرة حركة طالبان على أفغانستان والعاصمة كابول.
وقالت وزارة الخارجية السعودية، في بيان: «انطلاقًا من المبادئ الإسلامية السمحة، وعملًا بقول المولى سبحانه وتعالى (إنما المؤمنون إخوة)، فإن حكومة المملكة العربية السعودية تأمل أن تعمل حركة طالبان وكافة الأطراف الأفغانية على حفظ الأمن والاستقرار والأرواح والممتلكات» وتؤكد وقوفها إلى جانب الشعب الأفغاني الشقيق.
وتظل الأحداث مستمرة تعيد مآسي الشعوب التي تدمرت بلدانها صوراً حية لا تموت عبر التاريخ، والأعجب من هذا كله أن منطقة آسيا الوسطى أصبحت ساحة تتنافس عليها الصين وروسيا والولايات المتحدة، تحولت إلى «ساحة» للعب بين هذه القوى وسيترتب عليه أحداث إقليمية وعالمية كبرى، فالرئيس الأمريكي بايدن يقول إن مهمة الولايات المتحدة لم تكن بناء الدولة في أفغانستان بل هي منع وقوع هجوم إرهابي على أمريكا وأنه دعا سنوات عديدة إلى حصر المهمة على مكافحة الإرهاب وليس التمرد وهو ما يتناقض مع كلام الرئيس بوش الابن عندما أمر بغزو أفغانستان وكذلك العراق أن من بين أهدافهم نشر الديمقراطية ولكن لم ينتشر بنهاية المطاف إلا الفوضى وضياع مستقبل شعوب تلك الدول.