بما أن التصور عن الحياة بعد الموت محرك أساسي بالعالم العربي والإسلامي وسبب ظاهرة مثل كثرة العمليات الإرهابية الانتحارية، فجزء أساسي من العلاج الفكري لجذور الإرهاب قائم على تصحيح تلك التصورات ويساعدنا في ذلك الجمع بين ما ورد بالمصادر الإسلامية مع الدراسات الطبية الغربية الحديثة عن الحياة بعد الموت، وقد طالعت عدداً كبيراً من خبرات أهل الأديان المختلفة والملحدين عما رأوه عندما ماتوا بشكل مؤقت بتوقف قلوبهم وخرجت أرواحهم من أجسادهم قبل أن يتم إنعاشهم والأطباء يسمون هذه الحالة؛ «Near death experience/NDE-خبرة القرب من الموت» والأطباء الغربيون جمعوا شهاداتها ونشروها بكتب ودراسات وبرامج وثائقية وأشهر هؤلاء الأطباء الغربيين؛ Sam Parnia, Raymond Moody, Pim van Lommel, Melvin Morse,Bruce Greyson, Kenneth Ring, Michael Sabom, Jeffrey Long, Peter Fenwick, Elisabeth Kübler-Ross
وعدد من الأطباء عاشوا هم أنفسهم خبرة الموت المؤقت ونشروا خبراتهم كجراح المخ والأعصاب الأمريكي «Eben Alexander»، وخلاصة تلك الخبرات تتمثل بأن الإنسان يمر بعد وفاته بحالين أساسيين:
الأول: بعد خروج روحه تعرض عليه حياته وأعماله ويعيش شعور وحال كل مخلوق تأثر سواء بشكل مباشر أو غير مباشر بكل حركة وسكنة كانت منه، ويعيش كل المعاناة التي تسبب بها للآخرين مادية ومعنوية فيشعر كما ولو أن ما وقع عليهم بسببه وقع عليه هو، وهذا يعني أن شخصاً مثل بشار سيشعر ويحس بكل ما تسبب به للملايين من تعذيب واغتصاب وقتل وفجيعة للملايين وستكون متزامنة عليه بذات الوقت وهذا غير العقوبة الأبدية بجهنم بعد القيامة.
الحال الثاني: يجد نفسه بعالم مصنوع بالكامل من تجسدات لكل كلمة وحركة وسكنة كانت منه في الدنيا وكل صفة ونمط بشخصيته وأخلاقه وسلوكه ومعاملته، وبالنسبة لأي مسلم فوصف هذا الحال بالدراسات الغربية مذهل تماماً لأنه يوافق ما ورد بالحديث النبوي؛ (.. ويأتيه - برواية: يمثل له-رجل حسن الوجه حسن الثياب، طيب الريح.. فيقول:.. من أنت؟ فوجهك الذي يجيء بالخير، فيقول: أنا عملك الصالح) أبوداود وأحمد والبيهقي. و(..يأتيه-برواية: ويمثل له-رجل قبيح الوجه، قبيح الثياب، منتن الريح،.. فيقول: من أنت؟ فوجهك الذي يجيء بالشر، فيقول: أنا عملك الخبيث.. ثم يقيض الله له أعمى أصم أبكم في يده مرزبة، لو ضرب بها جبل كان تراباً، فيضربه حتى يصير بها تراباً، ثم يعيده كما كان، فيضربه ضربة أخرى، فيصيح صيحة يسمعه كل شيء إلا الثقلين) أبوداود، وأحمد. كما يرى الناس تجسدات لمعتقداتهم وورد هذا أيضاً بالحديث النبوي «صحيح البخاري/ 7439 «، وقال من مروا بخبرة الموت المؤقت أنهم رأوا على مد النظر شياطين ووحوشاً مروعة أكثر من أي فيلم رعب تهاجمهم وهي تجسدات لصفاتهم وأعمالهم ومعاملتهم السلبية للخلق، بينما «الحور العين»-كيانات أشبه بالملائكة- تبدو تجسدات لأعمال وصفات وقناعات الإنسان الإيجابية المثالية والجميلة والمحبة؛ فإن كانت أخلاقه وسلوكه ومعاملته وأثره في العالم حباً وحناناً وطيبة وخيرية ونفعاً وإسعاداً للخلق فستكون تجسداتها ملائكية جميلة تحبه وتسعده وهذا للجنسين، وإن كانت عدوانية وإساءات مادية ومعنوية فتجسداتها ستكون أشبه بشياطين ووحوش تعذب صاحبها بنمطها الذي تولدت عنه؛ فعلى سبيل المثال كل شيطان تجسد عن كلمة وفعل أذية وإساءة وعنف كالعنف الأسري سيكون نمطه إيقاع العنف المادي والمعنوي على صاحبه، وهذا معنى الآيات {فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ} فعذابه وقيده منه وفيه. وأما المنتحر فيعلق بحال الانتحار ويبقى يكرره كأنه بكابوس لا يمكنه الإفاقة منه، أي من قام بعملية إرهابية انتحارية سيبقى يضغط الزر وينفجر وتتناثر أشلاؤه باستمرار المرة تلو الأخرى وللأبد، مع الإحساس بألم وفجيعة هذه الخبرة.
** **
bushra.sbe@gmail.com