م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1. الصوت والصمت، الضوء والظلام.. مصطلحات تبدو للوهلة الأولى أنها متقابلات أو متضادات.. فهل الصوت مقابل للصمت.. أم أن الصمت هو نتيجة غياب الصوت؟ وكذلك الحال بالنسبة للضوء والظلام.. فالظلام هو نتيجة غياب الضوء.. والحقيقة أن الأمر غير ذلك.. فكل مصطلح قائم بذاته وإن ارتبط ظاهرياً بالآخر.. فالصمت مثلاً يمكن أن يحضر بحضور الصوت لدى الأصم مثلاً.. وكذلك الظلام يمكن أن يحضر بحضور الضوء لدى الكفيف.. ويمكن أن يحضرا في لحظات التفكير العميق وإن لم يكن الشخص أصماً أو كفيفاً.
2. الصمت والصوت يمكن أن يؤديا ذات الرسالة كأن يكونا تهديداً، أو وعيداً، أو شجاعة، أو خوفاً، أو شكوكاً، أو رضىً، أو قبولاً، أو رفضاً، أو احتجاجاً، أو عقاباً، أو ثناء، أو يأساً، أو انسحاباً، أو استغاثة.. فالصمت يمكن أن يحل محل الكلام في مواقع كثيرة بل إنه أحياناً قد يكون أبلغ من الكلام.
3. هناك أماكن يُمْنع فيها الصوت كالمستشفيات والمكتبات والمساجد وغرف النوم.. وهناك أشياء لها صوت وإن كانت صامتة، مثل: الرسائل، والكتب، والمقتنيات القديمة التي بينك وبينها صلة؛ مثل حقيبة عملك وملف أوراقك أو قلمك.. وهناك أشياء صامتة لكنها مخزن أسرارك مثل: مكتبك وغرفة نومك وسيارتك.. أما الذي يمكن أن تصرخ في وجهك وهي صامتة فهي مرآتك.. أما ديكور منزلك وقيافتك فهي اللغة الصامتة التي تحكي عنك وتشير إليك وتصفك.
4. في الصمت تبرز أصوات ذات معنى ودلالة كصرير الأبواب، وصفق النوافذ، وطنين الذباب، وهبوب الرياح، وقعقعة الأقفال.. والأدباء والمفكرون يرون أن الأصل هو الصمت ولولا أن الإنسان خلق حيواناً ناطقاً لكان الصمت هو لغتنا الأم.. ويرون أن الصمت هو لحظة بين صوتين تماماً مثل الحاضر الذي هو لحظة بين الماضي والمستقبل.. فحينما تصيبك الدهشة تصمت.. وحينما ترى شيئاً جديداً تصمت.. وحينما تفاجأ تصمت.. وحينما ترتبك أو تتوتر تصمت.. وحينما تخاف تصمت.. أيضاً الصمت كما الصوت هو لحظة هروب من الواقع.
5. الصمت يمكن أن يكون علامة رضا وقبول ويمكن أن يكون علامة خيبة أمل وإحباط لا ينفع معه الصوت.. ويمكن أن يكون علامة الصدمة التي لا يقابلها سوى الصمت حيث ينتهي كل حدث أو فعل أو صوت.
6. يقول الروائي (ماركيز): ليس كل من صمت عاجزاً عن الرد.. فهناك من يصمت حتى لا يجرح غيره.. وهناك من يصمت لأنه يتألم بشدة.. وهناك من يصمت لأنه يعلم أن الكلام لا يفيد.. وهناك من يصمت لأنه لا يريد أن يخسرك.
7. الصمت مرتبط بالسكون والهدوء والاطمئنان.. بينما الصوت مرتبط بالضجيج والحركة والاضطراب.