منذ عدت إلى أرض الوطن في بداية الثمانينات أستاذاً للنقد الأدبي في كلية الآداب بجامعة الملك عبدالعزيز كنت أحرص على المشاركة في مهرجان الجنادرية الوطني في كل عام مشاركاً في أمسياته وفعالياته ولجنة مشورته وكان يلفت نظري النشاط الكبير للمسرحيات المشاركة التي تتجاوز عشر مشاركات أو أكثر وكان المنظم لها والمنسق جمعية الثقافة والفنون بجميع فروعها في مدن المملكة وذات يوم دُعي ضيوف الجنادرية إلى حفل اختتام المسرحيات المشاركة وكانت الدعوة في مقر جمعية الثقافة والفنون بالرياض، وكنت أسمع عن الأستاذ الجليل محمد الشدي وحينما وصلنا إلى مقر الجمعية استقبلنا الأستاذ محمد الشدي الذي كان رئيساً لمجلس إدارتها استقبلنا بوجه بشوش وأدب جم وأريحية راقية وكنت أيامها عضواً في مجلس إدارة نادي جدة الأدبي الثقافي وداعبني بابتسامة رقيقة فقال: لنا رغبة أن نتعاون مع فرع الجمعية في جدة وتنشيط الجانب الثقافي والأدبي به، وكان يحرص على التواصل معي وكل الأدباء والمثقفين وحينما استقلت من نادي جدة الأدبي أصبح لدي متسع من الوقت لإجابة عرض الأستاذ/ محمد الشدي للتعاون مع فرع الجمعية في جدة فقبلت العرض وجاء خطاب إلى مدير الجامعة بهذا الخصوص من سمو الرئيس العام لرعاية الشباب في ذلك الوقت الأمير/ فيصل بن فهد -رحمه الله- وكانت فرصة للتعامل مع الأستاذ/ محمد الشدي -رحمه الله- بصفته رئيس مجلس الإدارة فلمست فيه الحرص على دفع عجلة الثقافة والأدب في وطننا الغالي، وينتشي لأي مبادرة أو فعالية في هذا الجانب، وكان -رحمه لله- يتعهد الأدباء والفنانين ويسأل عن أحوالهم المادية والمعنوية ويسارع إلى إبلاغ سمو الأمير/ فيصل بن فهد -رحمه الله- بذلك، ويشير عليه بمساعدة من يستحق المساعدة وكان الأمير لا يتردد في ذلك ويثق في كل ما يقوله الشدي -رحمهما الله-؛ وهناك ملمح مهم أن الأستاذ/ محمد الشدي عانى في سبيل منصبة في الجمعية لأن في ذلك الوقت كان أصحاب الصحوة كما يطلق عليهم يواجهون بعنف المسرح والموسيقى والفنانين وكان الأستاذ الشدي يلجأ إلى سمو الأمير لحماية المسرح من بطش هؤلاء وكان -رحمه الله- يتحدث عن قصص كثيرة حدثت له في هذا الجانب.
والأستاذ الشدي -رحمه الله- كان أديباً ومثقفاً وأدى دوراً فاعلاً حينما كان رئيساً لتحرير مجلة اليمامة ثم بعد ذلك مجلة الجيل، وأشرف على جميع مطبوعات جمعية الثقافة والفنون في ذلك الوقت، إضافة إلى علاقاته الواسعة مع المثقفين والأدباء والفنانين داخل المملكة وخارجها وكانت جمعية الثقافة في أيامه واجهة ناصعة للأدب والمسرح والفن والمعارض التشكيلية والفنون الشعبية في داخل المملكة والمشاركات العالمية، ولقد كان الأستاذ/ الشدي أستاذاً في علمه وثقافته وأخلاقه ومن أقدم الصحفيين في المملكة، فقد عاصر الصحافة ومشاكلها منذُ طفولتها وأسهم مساهمة فعالة بمقالات أدبية وتاريخية مهمة في الصحف والمجلات.
وأخيراً أقترح أن يسمى أحد الشوارع الكبيرة من شوارع الرياض باسم هذا المواطن الصالح (محمد بن أحمد الشدي).
رحم الله أبا عبدالعزيز وجزاه الله خير الجزاء عن الوطن وثقافته وأدبه وفنونه وأسكنه فسيح جناته و»إنا لله وإنا إليه راجعون».
** **
- أ. د. عبدالله بن سالم المعطاني