عبدالوهاب الفايز
مع استمرار النظام الإيراني بتهديد الأمن القومي العربي، بالذات أمن دول الخليج العربية، وبعد عودة طالبان القوية في أفغانستان.. هناك من يطرح علينا الاقتراح العملي لاستثمار الأوضاع الجديدة لإشغال إيران بالمستنقع الأفغاني، فالطموحات الإيرانية لاكتساب قاعدة تحالف مع القوى السياسية المسيطرة في أفغانستان قديمة، وطموحها الأعمى دفعها لدعم طالبان ماليًا وعسكريًا.
فانهيار الحكومة الأفغانية المنتخبة الدرامي الأخير واحتمال قيام حرب أهلية أفغانية، يدفع القوى الكبرى والدول الإقليمية للمسارعة في ترتيب التحالفات لتحقق المكاسب الاقتصادية السياسية الجديدة لتخدم المشاريع المتعددة في آسيا الوسطى. إيران سوف تدفع بثقلها الطائفي كغطاء كاذب لـ (تصدير الثورة) ولحماية الأقلية الشيعة الهزارية والطاجيك، وأيضًا لكي تضع نفسها في سبيل خدمة المصالح الروسية والصينية في أفغانستان، وحتى في خدمة المصالح الأميركية إذا احتاجت واشنطن ذلك.
كما هو حال اللاعبين الإقليميين المستفيدين مثل الباكستان وتركيا، إيران تجد الفرصة الذهبية للتدخل في الصراع، فنظام الملالي في طهران تلتقي مصالحه السياسية مع طالبان رغم الخلاف الطائفي.. وهذا لن يكون مشكلة للطرفين، فالتحالف مع الشيطان أمر طبيعي للنظامين. إيران تتدخل لتكسب ورقة تلعبها مع روسيا والصين بهدف إيجاد آلية لمقاومة الضغوط الأمريكية والأوروبية في مفاوضات الاتفاق النووي، وفي الترتيبات الإقليمية بالذات في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
لذا المقترح إلى بناء تحالفات جديدة واستعادة تحالفاتنا القديمة مع القوى الأفغانية لأجل بناء جبهة مقاومة للمشروع الإيراني في أفغانستان، بما في ذلك الدعم المسلح للجمعات المعادية للمصالح الإيرانية في الباكستان، هذا المقترح البراغماتي النفعي مشكلته أنه يضع المصالح الخاصة فوق الاعتبارات الدينية والأخلاقية والإنسانية، وهو نهج إيران المخِّرب الذي نرى آثاره الكارثية في العالم العربي.
الأمر المؤكد أن هذا المنحى التآمري لن تدفع ثمنه الأنظمة، بل الشعوب هي الضحية. لذا لن يكون التآمر والتدخل في الشؤون الداخلية في أولوياتنا وأدبياتنا السياسية، فنحن نفتقد الخبرة والمعرفة الفنية للتآمر وللتلاعب بالمواقف السياسية والدينية وتدمير الشعوب ومصالحها. هذه لعبة إيران ومتعة الملالي الذين يتغذون على الثارات وسفك الدماء، وهذه النزعة التدميرية تستثمرها القوى الكبرى المتلاعبة بمصالح الناس في الشرق الأوسط، وتم استثمارها لتدمير العراق وبقية دول المنطقة!
لو كنا محترفي سياسات (فرق تسد) وتقليب الأمور لربما وجدنا فرصة ذهبية لدخول الساحة الأفغانية بشكلٍ خفي لدعم الفصائل المعادية لإيران حتى نجرها إلى مواجهة مسلحة وحروب عصابات تستنزفها في الجبهة الأفغانية. وربما هذا المشروع لن ينجح، لأن نظام الملالي في حروبه الخارجية العربية كان وما زال يمول مشاريعه من تدفق الأموال العربية التي تجمعها المرجعيات الدينية، ومن تجارة المخدرات والمحرمات. وأيضًا تقاتل بالدماء العربية كما يفعل حزب نصرالله وجماعة الحوثي، فدماء الرجال والنساء والأطفال العرب هي التي تنزف. لذا لن يخسر النظام الإيراني من المواجهات فقد تعلم كيف يضع مصالحه فوق الاعتبارات الإنسانية أو الأخلاقية.
الأفضل لنا الحياد والانتظار والاستمرار في دعم اللاجئين الأفغان المعذبين في الأرض، فالحرب الأهلية المقبلة سوف تدفع بهجرات واسعة. أفغانستان سوف تدخل في فصل دموي للصراعات، فاللعبة الكبرى القديمة تتجدد. فهذا البلد موقعه الجغرافي يجعله (حالة دراسية) قائمة للباحثين في حقل الجغرافيا السياسية، فالموقع أعطاه الأهمية جيو-إستراتيجية الجاذبة لمصالح القوى العظمى، فهو الممر المهم لثروات آسيا الوسطى وجنوب القارة وغربها والشرق الأقصى، وهو محور للسيطرة على المناطق المحيطة به كما يرى زبيجنيو برجينسكي، فكل من أفغانستان ومنطقة آسيا الوسطى تمثّلان محوراً جيوسياسياً يجعلهما ميدان اللاعبين الكبار.
ومحور أفغانستان والدول المحيطة بها يكاد يتشابه مع محور العراق ودول الخليج في ثنائية أهمية الموقع والثروات. فأفغانستان لديها موارد وثروات طبيعية كبيرة وعديدة من نفط وغاز، وثروات منجميه كالذهب والنحاس والحديد والكوبالت، إضافة إلى اليورانيوم والعناصر الأرضية النادرة، ولديها خام الليثيوم الذي تحتاجه المنتجات الواسعة المعتمدة على الطاقة الكهربائية.
أيضًا أفغانستان، كما هو حال الدول العربية، سوف تعاني من الحرب الباردة بين الصين وأمريكا، فالهدف الجيوسياسي الذي لا تتحدث عنه أمريكا ويخفي سر اهتمامها بأفغانستان هو خططها لاحتواء الصين وروسيا وإبعادهما عن السيطرة على الموارد الطبيعية في أفغانستان وآسيا الوسطى حتى تمنع ظهور قوى إقليمية منافسة لها.
هذا الاستنتاج يدعمه مفاوضات أمريكا مع طالبان لضمان خروج أمريكي آمن، ويدعمه سرعة استيلاء طالبان على العاصمة، وأيضًا ترك أسلحة أمريكية نوعية. هدف أمريكا إيجاد بيئة مضطربة تعرقل أي محاولات صينية روسية لإقامة علاقات تجارية واستثمارية مع أفغانستان قد تهدد مصالحها وتضعف من نفوذها وقوتها عالميًا. فالصين تهمها أفغانستان لاعتبارات طريق الحرير الجديد ليكمل الشراكة مع روسيا وإيران، وهذا يهدد المصالح الاقتصادية والإستراتيجية الأمريكية في آسيا الوسطى.
الوضع سيكون مفتوحًا لكل أشكال الصراع والعنف، والأفضل الانتظار ودعم الضعفاء والمساكين من الشعب الأفغاني. الله يكون في عونهم.