هل أمريكا انهزمت وطالبان انتصرت، بعد عشرين عامًا على الإطاحة بحكم طالبان بقيادة الملا عمر من حكم كابول إثر الغزو الأمريكي لأفغانستان، إثر تفجير برجي التجارة العالمي في أمريكا في 11 سبتمبر2001م، من قبل الغزو الأمريكي الذي لم يفلح في إعادة صياغة الدولة الأفغانية، كما كان معلنًا عند بداية غزوه لأفغانستان، وتنصيب حكومة مدنية موالية لأمريكا (حكومة قرضاي) وما تبعها من تطورات، حيث استمرت حركة طالبان بمقاومة الوجود الأمريكي، وبقتال الحكومة المركزية المنصبة والمدعومة أمريكيا...!
اليوم تنسحب القوات الأمريكية بعد صراع مرير ومكلف للطرفين وبعد سلسلة من المفاوضات جرت بينها وبين حركة طالبان...
وهكذا القيادة الأمريكية تطلب من الأفغان وعلى لسان الرئيس جوبايدن أن يتدبروا أمرهم بينهم بعد عشرين سنة من الاحتلال..!
الأفغان اليوم في حالة انقسام بين مؤيد لحركة طالبان، وبين مؤيد لحكومة كابول... فهل تستطيع المكونات السياسية والاجتماعية للأفغان أن تتدبر الأمر، وأن تدير حوارًا وطنيًا بين أطرافها يفضي إلى صيغة سياسية تجنب البلاد والعباد حربًا أهلية مريرة وبغيضة، في سياق التنافس والصراع على السلطة، في ظل جملة الانقسامات السياسية والطائفية التي تتوزع عليها الفئات الاجتماعية الأفغانية، وتحت تأثير القوى الدولية والإقليمية ومنها دول الجوار وخاصة باكستان وإيران...؟!
يبدو لنا المشهد السياسي المقبل في أفغانستان شديد التعقيد والتركيب، وأقرب إلى الصراع وعدم الاستقرار منه إلى تحقيق السلم الأهلي والاجتماعي، وبالتالي إلى إرساء قواعد الاستقرار السياسي، مما ينذر بجولات من الصراعات الأهلية الداخلية الخطيرة على مستقبل هذا البلد الإسلامي، الذي يعيش حالة من الحروب الأهلية والداخلية والخارجية، منذ الإطاحة بالنظام الملكي فيه في خريف عام 1973م وإلى اليوم، لم يستطيع استعادة حالة السلم الأهلي والاستقرار السياسي الذي يحتاجه.
لقد دفعت أفغانستان ثمنًا غاليًا وباهظًا، في سياق الصراع بين السوفيات والأمريكان زمن الحرب الباردة، حيث مثلت مسرحًا ساخنًا للصراع بينهما، انتهى بهزيمة السوفيات وانتصار الأمريكان في الحرب الباردة، ومن ثم انهيار الاتحاد السوفياتي بسببها ولجملة أسباب أخرى، وذلك بواسطة الأفغان وتوظيف قوى الإسلام السياسي، خاضت الصراع مع السوفيات نيابة عن الأمريكان وبدعمهم السياسي والعسكري.
لكن الأمر سرعان ما انقلب رأسًا على عقب، حيث أضحى حلفاء الأمس أعداء اليوم، وخرج وولد من أحشاء المجاهدين الأفغان وغيرهم، كل من تنظيم القاعدة، وحركة طالبان التي سيطرت على حكم كابول، بعد صراع دام مع القوى الأفغانية الأخرى التي كان لها أدوار مهمة في قتال السوفيات وإلحاق الهزيمة بهم..!
السؤال الذي يبحث عن إجابة هل حقق الغزو الأمريكي أهدافه التي كانت معلنة في القضاء على تنظيم القاعدة وحكم حركة طالبان الذي كان حاضنًا لها...؟
وهل نجحت أمريكا في ترسيخ وإقامة أركان حكم ديمقراطي مدني مستقر في كابول يستحقه الشعب الأفغاني من جهة، ويحول دون أن تعود أفغانستان موئلاً ومصدرًا للتنظيمات الإرهابية من جهة أخرى، وقد خاضت الولايات المتحدة معها حروبًا دامية ضدها، مدعومة بأحلاف إقليمية ودولية في مواجهة ما سمي بالإرهاب العالمي، أسئلة يجيب عليها الواقع بالنفي..!
يبدو لنا أن الأيام والأسابيع القادمة سوف تكشف عن فشل ذريع للولايات المتحدة في تحقيق ما هدفت إليه في حربها وغزوها لأفغانستان... سواء في القضاء على حركة طالبان، أو في النجاح في إرساء قواعد السلم الأهلي والاستقرار في حكم أفغانستان من قبل حكومة ديمقراطية مدنية، تنهي مرحلة الصراعات وعدم الاستقرار التي قاربت على نصف قرن من الزمن منذ الإطاحة بحكم الملك محمد داوود شاه في سبتمبر من العام 1973م.
يبقى هناك تساؤل مهم، يكمن في البحث عن السبب في عدم توصل حوارات الأمريكان مع حركة طالبان لمصالحة أفغانية تقود إلى تجنيب هذه البلاد لحرب أهلية قد تستمر لسنوات أخرى؟!
فهل يعني ذلك هزيمة أمريكية أمام حركة طالبان، أم هو إهداء انتصار عسكري لها، كي تلعب دورًا مستقبليًا في صراعات الأمريكان المقبلة، مع جمهورية الصين الشعبية، والتشويش عليها، عبر افتعال صراعات إثنية ودينية جديدة باسم الإسلام السياسي، يجري فيه استخدام الجهاد الأفغاني والإسلام السياسي في مواجهة الصين الشعبية، لقطع طريق الحرير عبر أفغانستان.. وتكون في هذه الحالة قد نجحت أمريكا في تدوير الصراع وجعل الأفغان وقوى الإسلام السياسي بمنزلة أكياس الرمل في صراعها مع الصين الشعبية مستقبلاً، كما سبق لها استخدامهم في الحرب الباردة مع السوفيات..؟!
هكذا أمام تداخلات المشهد السياسي الآخذ في التبلور في أفغانستان، خلال الأيام والأسابيع المقبلة، بعد أن يتم الانسحاب الأمريكي، واستمرار زحف قوات حركة طالبان الذي لن يتوقف قبل الوصول إلى كابول والسيطرة عليها، والإطاحة بحكومتها بعد أن تخلت عنها الولايات المتحدة بهذا الانسحاب المكشوف والمشين، دون تحقيق مصالحة وطنية بينها وبين حركة طالبان، وإعادة كابول وأفغانستان إلى حكم طالبان إلى ما كان عليه قبل الغزو والاحتلال الأمريكي عام 2001م، تكون حركة طالبان قد سجلت انتصارًا سياسيًا وعسكريًا على الولايات المتحدة وعلى حكومتها المنصبة، سيمنحها شرعية وطنية ودينية وجهادية في حكم أفغانستان والحلول مكانها، وسيؤهلها هذا الوضع إلى لعبِ أدوار جديدة داخلية وإقليمية، غالبًا ما ستكون هذه الأدوار الجديدة مدعومة من قبل الولايات المتحدة، التي تسعى إلى مواجهة الصين اليوم بالمسلمين، بدلاً من مواجهة المسلمين، سواء في الداخل الصيني، أو في إثارة التأزم وعدم الاستقرار في المنطقة لقطع طريق الحرير التجاري عبر أفغانستان إلى غرب آسيا وأوروبا وشمال إفريقيا.
وهذا سيكون أقل كلفة على الولايات المتحدة من المواجهة المباشرة مع الصين الشعبية، وسيعوضها عن خسائرها المادية وكلفها الباهظة التي تكلفتها في منذ غزوها لأفغانستان إلى الآن.
عندها ستكون أفغانستان/ طالبان قد تأهلت من جديد للعب أدوار إقليمية... على حساب أمنها ونموها واستقرارها...!
وللحديث بقية...