تمكنت مملكتنا الحبيبة أن تحافظ وتحقق التوازن البيئي وحماية الطيور، وذلك من خلال مجموعة من البرامج والأنظمة واللوائح المنظمة لصيد تلك الطيور ويأتي على رأسها الصقور، وما يرتبط بها من إرث تاريخي متوارث جيلاً بعد جيل، وقد تجسد ذلك أكثر وأكثر ضمن أهداف رؤية المملكة 2030م، التي أطلقها سمو ولي العهد، وما تضمنها من طموحات للحفاظ على الحياة الفطرية والبيئية بالمملكة.
ورغم هذه المحاولات الحثيثة من قبل ولاة الأمر، إلا أن هناك البعض يريد ألا يتحقق ذلك في محاولة للإخلال بالتوازن البيئي وهدم هذا الإرث التاريخي السعودي من خلال ما يسمي بـ(الصقور الخارقة) التي هي صقور هجينة من فصيلتين مختلفتين أو أكثر، وتأتي هذه الصقور الخارقة كمثال حي لما نعانيه الآن من فيروسات وفطريات نتيجة هذا التدخل الجيني والهجيني في خلق الله.
حيث إن الهدف منها هو منافسة الأسلحة الفتاكة للصيد، فقد تم التدخل والتلاعب بسلالات الصقور وتهجينها، وذلك من أجل هذا الصقر الخارق، والغاية من وجوده هو إنتاج صقر أسرع وأقوي، لكي يكون أسرع أنواع الصقور على وجه الأرض، وأقواها وأشرسها وأكثرها فتكاً وضراوة، بما يتجاوز أضعاف الأحجام الطبيعية للصقور الأخرى، حيث تم خلط وتهجين على سبيل المثال الصقر الشاهين أسرع القصور بل الطيور على وجه الأرض، مع الجير الأكثر شراسة عن غيره من الصقور، فنتج هذا الهجين المعروف بالخارق، أو (والذي يمثل خطر واختلال في التوازن البيئي للحياة الفطرية بالسعودية super falcon).
لذا تبني النظام الدولي ككل، والعديد من الدول ومن بينها حكومتنا الرشيدة توعية المواطنين ووضع الأنظمة واللوائح المتعلقة بالصيد، وتبني أنظمة ملائمة للصيد الصديق للبيئة، بحيث لا يؤثر في التوازن البيئي والحياة البرية، مما دفع بعض الدول لوضع تشريعات وقوانين وأنظمة صارمة تواكبها حملات توعوية تسهم في الحد من الصيد الجائر والحفاظ على التوازن البيئي والحياة البرية، كما اندرجت «تربية الصقور الطبيعية» ضمن قائمة 2010 م للتراث اللا مادي للإنسانية من قبل منظمة اليونسكو، ووردت فيها قائمة بعدد من البلدان المعنيّة بهذه التربية وهي: المملكة العربية السعودية والإمارات وقطر والمغرب والجمهورية العربية السورية وبلجيكا والجمهورية التشيكية وفرنسا وجمهورية كوريا ومنغوليا وأسبانيا، وأوضحت فيها الأهمية الكبيرة لتربية الصقور الطبيعية؛ كونها تُشكل قاعدة تراث ثقافي واسع يرتبط بها الإنسان برابط صداقة عريقة.
ونتيجة لذلك قامت حكومتنا الرشيدة بمنع صيد الصقور الطبيعية (الوحش) ونقلها والاتجار بها، وقد كان نتاج ذلك أن وجدها البعض من ضعاف النفوس من التجار فرصة في بعض الدول، لكي يقوموا بشراء الصقور من مزارع الإنتاج في بعض الدول، ثم يقومون بعرضها للبيع على أنها صقور طبيعة غير مفرخة أو مهجنة، بعد كسر حلقات التعريف المعدنية وذلك نتيجة للتقدم المذهل في هذا المجال، وبراعة منتجين الصقور في قربها في الشكل من الصقور الطبيعة، مما يؤدي إلى وقوع البعض في هذا الفخ المنصوب من قبل ضعاف النفوس.
إن قيام بعض الصقارة وبعض المهتمين والمتعاطفين مع الصقور، وعشق هذه الهواية المتوارثة جيلاً بعد جيل، دفعهم هذا الحماس وحب الظهور خاصة في ظل وسائل التواصل الحالية، إلى تصوير إطلاق بعض هذه الصقور، وهم غير مؤهلين لا علمياً ولا معرفياً ولا بيئياً بشأن الخطر نتيجة هذا الفعل، الذي سيكون كارثة بمعني الكلمة على الصقور الأصلية غير المهجنة، وكذلك الحيوانات والطيور الأخرى، فإدخال أنواع جديدة من الطيور كالصقر الخارق إلى نظام بيئي معيّن كبيئتنا السعودية بشكلٍ غير مدروس، ودون جمع البيانات البيئيّة اللّازمة حول التأثير المُحتمَل لهذا النشاط في الكائنات الحية الأصلية الموجودة في النظام قد يسبّب ضرراً كبيراً، ويخلق خللاً خطيراً في بيئتنا الغالية.
إن وجود مثل هذه النوعية من الصقور المهجنة وإطلاقها في بيئتنا يحتاج إلى فحوصات دقيقة ومعقدة ومتطورة واستشارة جهات متخصصة ذات باع كبير في هذا الشأن كالمركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية، وقد أصدر المركز بيانه بمنع طرح (صيد) وشبك «الشاهين الجبلي» و»الصقر الوكري» إلى أنواع الصقور الأخرى، من أجل استعادة التوازن الطبيعي للصقور المهددة بالانقراض في المملكة العربية السعودية، وكذلك هناك حاجة ماسة إلى العديد من الدراسات العلمية العميقة المتخصصة، والتي تتضمن كافة جوانب الموضوع خاصة البيئية منها، من حيث أعداد هذه النوعية من الصقور، ومدى تقبل بيئتنا لهذه الأعداد التي يريد البعض إطلاقها، وهل ستؤثر عملية الإطلاق في الأنواع الأخرى من الطيور والحيوانات، أو هل ستوفر لهذه الطيور والحيوانات ما يكفيها وغيرها، أم ستهاجمها وتسطو عليها إلى غير ذلك من الأسئلة والتساؤلات، التي نحن في حاجة كبيرة للإجابة عليها.
إن التدخل من قبل الصقارة والهواة غير المؤهلين، وتجاوز الجهات المعنية بهذا الجانب بوطننا، خاصة وأن هذه الجهات لديها الخبرة والكفاءات، من أجل الظهور والتباهي من خلال وسائل السوشيال ميديا الحديثة، لمن شأنه أن يهدر ويدمر كافة المجهودات الكبيرة والخلاقة لدى حكومتنا الرشيدة، خاصةً ما يبذله سمو ولي العهد من مجهودات خارقة وعظيمة هدفها الحفاظ على بيئة سليمة ونقية سعودية، في ظل أن لدينا بالمملكة أنواعاً من الطيور الجارحة المستوطنة، التي لم يعبث بها، ويجب المحافظة عليها من هؤلاء العابثين الجهلة.
وأخيراً وليس بآخر أطالب بالمراقبة والإشراف على مثل هذه النوعية من الصقور المهجنة، التي تمثل خطراً داهماً وسلبياً على البيئة، عكس الصقر الطبيعي، ويجب تكاتف الجميع لاستمرار التوازن البيئي، لأننا ولله الحمد نعيش في حالة توازن بشكلٍ كبير، ولكنّ حدوث تغير في النظام البيئي بأكمله سيؤدّي إلى تحوّله من حالة التوازن إلى حالة عدم التوازن، وهو ما لا نريده بوطننا الحبيب في ظل ما يبذله ولاة الأمر من مجهودات خارقة لإيجاد حياة هي الأفضل على مستوى العالم.
تم بحمد الله،،،