للشعراء المتميزون سواء في الشعر الفصيح أو صنوه الشعبي بصمتهم الفارقة مهما كثر مقلدوهم، ومن يعود للموسوعات الأدبية مثل كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني المتوفى عام 356هـ، يرصد عشرات الأسماء العابرة التي لا يعرف شعرهم أحد رغم أنهم «غير سيئين من منظور نقدي»، والسبب أنهم تأثروا بشعراء كبار مثل المتنبي وأبي تمام وجرير والفرزدق، فنسي الناس الصور المشوهة للتجارب الأصلية وأبقت ذائقتهم الرفيعة وذاكرتهم على الصورة الأساسية لا النسخة الباهتة، وهذا الأمر امتد لعصور لاحقة في الشعر الفصيح، وما الشاعر الكبير نزار قباني إلا دليل على امتداد هذه الإشكالية التي تكمن فيمن تأثروا بتجربته المتميزة ليسلكوا نهجاً ارتضوا أن يكونوا فيه الأطراف لا المحور، لذا تلاشوا مع تجاربهم وبقي نزار وتجربته.
والأمر ينسحب على الشعر الشعبي، وقديماً قالوا (من الحب ما قتل) حتى أفترض حسن الظن في البعض فإنني أقول إنهم تأثروا بكبار الشعراء الشعبيين وغاب عن فطنتهم - كمشروع شعراء قادمين - أن من أبسط حقوقهم الاطلاع على تجارب كبار الشعراء حتى تتمرحل تجربتهم تماماً، كجزء لا يتجزأ من ثقافتهم العامة وإلمامهم في الأدب الشعبي إلاّ أن الإشكالية التي وقعوا فيها التأثر البالغ في شعراء شعبيين كبار بعينهم وأصبح تأثرهم ملغياً لهم في بحثهم عن تجربة (مستقلة) بحيث أصبحوا نُسخاً باهتة من كبار الشعراء الشعبيين في المعنى، والمفردة، والأخيلة، والرموز، والصور، والمؤسف أن هذا رصد لحالات تجارب متكررة تأتي وتذهب لا يشعر بحضورها وغيابها أحد؛ لأنهم ببساطة حاولوا تقليد شعراء كبار ونسوا ربما في ثنايا انبهارهم بهؤلاء الشعراء الكبار تمرحل تجاربهم التي يفترض أن تكون لها ملامح ثابتة أسوة بهؤلاء الشعراء الكبار الذين بقوا وتلاشى مقلدوهم.
ومن الشعراء الكبار - على سبيل المثال لا الحصر- الأمير خالد الفيصل - الأمير بدر بن عبدالمحسن - خلف بن هذال - مساعد الرشيدي، رحمه الله - سعد بن جدلان، رحمه الله - ناصر القحطاني- ياسر التويجري.
** **
- حسين بن صالح القحطاني