أحمد المغلوث
قبل أربعة عقود وضمن مشاركتي في كتابة «تقرير اليوم» بالزميلة الرياض كتبت تقريراً عن (الضحك وماهيته) وجد قبولاً كثيراً من قبل من اطلع عليه يومها، ومساء ليلة الجمعة الماضية كنت في سهرة عائلية مع البعض من الأبناء والبنات وحتى الأحفاد والحفيدات في صالة بيتنا العامر. وراحت الآراء تدور حول ماذا يجب أن نشاهده في السهرة بعيداً عما كان يطالعه الكثيرون منهم عبر جوالاتهم الأيفونية وحتى الآيباد والذي كانت الصغيرات تحتضنه بشغف. فاقترحت «الجوهرة» أطال الله في عمرها أن ننتقل إلى إحدى القنوات الكوميدية والتي عادة ما تعرض أفلاماً باسمة وضاحكة على الرغم من كونها أفلاماً قديمة وشاهدها البعض منا خاصة الكبار أكثر من مرة. ولأننا نطبق خيار «الشورى» في سهراتنا فكان الاقتراح أن ترفع الأيدي المؤيدة لهذا الاقتراح وهذا ما تم بالفعل. ولكن مع تغيير القناة وأن نشاهد مسرحية (المتزوجون) للراحلين المبدعين سمير غانم وجورج سيدهم.. رحمهما الله. فكانت سهرة لطيفة وضحكاتنا بسعة افواهنا وأكثر.. والحق ان الاستمتاع بمشاهدة كل ما له علاقة بالضحك اكانت مشاهد هزلية أو ساخرة أو ذات طابع فيها الكثير من المواقف الغير متوقعة بل وحتى المفتعلة كما يحدث في برامج « الكاميرا الخفية « أو المسرحيات والافلام التي تعتمد على توظيف الكوميديا الساخرة والمثيرة للضحك والابتسام، وبالتالي تدعوه للشعور بالسعادة والفرح.. ومن منا لا يحب الضحك. ومن منا من يفضل ان تصله عبر رسائل «الواتساب» مشاهد أو مواقف ضاحكة أو حتى كاريكاتير ساخر فيه دعوة للابتسام. وسرعان ما يقوم بتحويله لنخبة من متابعيه أو محبيه. وكل منا أكيد وصلته مثل هذه الأشياء. ومن الاشياء المعاشة هي استمرار «الشلة» الذين يتسم أفرادها بخفة الدم وحب المرح والمزح المعقول الذي لا يتجاوز الحدود.. نجدها «شلة» معمرة ما شاء الله فالجميع يفضلون ذلك وأكثر من ذلك، بل إن الشلة الناجحة التي لا يمكن الاستغناء عن المشاركة فيها من يتواجد بينهم أحد الاشخاص أو أكثر من الذين يجيدون بحرفية صناعة النكتة أو المواقف الهزلية الممتعة. بل كبار القوم وفي مختلف دول العالم ومنذ قرون نجد اهتمام الاباطرة والسلاطين وحتى الملوك بالبعض من الأفراد الذين يتمتعون بروح النكتة والمرح فكان هؤلاء مقربين جداً لديهم وعلى مدى تاريخ البشرية، كان الضحك من وسائل التواصل بين البشر، ما دفع العلماء إلى دراسة جدواه على المستوييالنفسي والجسماني. وتشير دراسة نشرتها دورية «جورنال كارانت بيولوجي» (journal Current Biology) إلى أن الضحك العفوي المُصاحب لإلقاء «النُّكَت» قد يكون عاملًا مساعدًا لإضافة روح الفكاهة إلى «النكتة» حتى لو كانت سيئة. هذا ومن الأشياء التي مازالت راسخة في ذاكرتي هذه الحكاية الطريفة: في الوقت الذي اهتزت فيه نابولي من الضحك لعروض الممثل الكوميدي «كارلينا» جاء رجل إلى طبيب مشهور في تلك المدينة للسؤال عن دواء للسوداوية المفرطة، والتي أساءت إلى صحته، فنصحه الطبيب بالبحث عن تسلية، والذهاب إلى عروض كارلينيا فأجابه المريض: أنا كارلينيا. فضحك الطبيب وهو لا يصدق ما يسمع ويشاهد فكارلينا أمامه بشحمه ولحمه. ويعاني من السوداوية وهو الذي يصنع الضحك ويثير الابتسام.. وكم من ممثل في العالم يثير في نفوس من يسمعه ويشاهده السعادة والمرح والضحك وهو في داخله يعاني.. قمة التناقض في هذه الحياه ومع هذا نجد أن بداخلنا جهازاً غددياً حساساً ملائماً تمام الملاءمة لحياتنا القاسية أحياناً وبالتالي نتكيف مع الواقع المعاش من أجل لقمة العيش. وبعدها نضحك ونسخر حتى من أنفسنا.. ومن مواقف تحدث لنا. وما أكثرها في هذه الحياة.