سهوب بغدادي
«إيش تبغى تصير لما تكبر؟» سؤال تعرضنا له عندما كنا صغاراً، وكانت تتنوع الردود بحسب فضاءاتنا وخيالاتنا، فلم يكن هنالك حدود أو سقف للرغبات، إلا أن خططنا الطفولية لم ينج منها سوى القليل، على الأغلب تلك التي تتوافق مع التوجه المجتمعي والمحيط! إلا ما ندر. باعتبار أن الأحلام يجب أن تكون واقعية، وأرى أن ذلك غاية التناقض، فالحلم يتنافى مع الواقع والمعتاد، ولم يتحقق الإنجاز سوى عن طريق الطرق غير المعتادة، فلم نسطح أحلامنا لنجعل أنفسنا «سيد/ة عادي/ة» لنعيش بشكل عادي ونرحل بشكل عادي؟ إن كنت تريد أن تكون عادياً فالأمر آمن ويضمن الاستقرار والثبات في مكان واحد، في المقابل قد تمتلك جمال الأرض وما فيها من خبرات وثقافات وأشخاص وأكثر من ذلك بكثير، ومن الفكرة الأخيرة لفتتني مسيرة الفنانة الشهلاء أمين صاحبة أول استوديو رسم متنقل، عندما دفعها شغفها للسفر واكتشاف حضارات عديدة تجاوزت المائة دولة لتبحر في فنونها وثقافاتها، وترى الفن في مواطن مختلفة في حياة الأفراد والمجتمعات.
من هنا، قررت الشهلاء أن تنقل حبها للفن للناس عبر فتح الاستوديو الفني للرسم الذي يستقبل كافة الأطياف في المجتمع، فالتنوع في ورشات الرسم التي تقدمها ملموس سواء من حضور الأطفال والكبار وذوي الإعاقة والجنسيات المختلفة. فيما وجدت الشابة القبول والدعم الكبيرين خلال مسيرتها، ومع تداعيات فيروس كورونا التي تسببت في إغلاق أماكن التجمعات أقامت الشهلاء معرضا افتراضياً للفن بالإضافة إلى ورش فنية عبر الانترنت. فالشهلاء لم ترغب في وظيفة عادية بساعات عادية، فكل يوم يعد بمثابة فرصة جديدة وخبرة مختلفة وأشخاص مختلفين. فلن تحصل على الوظيفة المثالية، لأنها أمر لا يمكن الحصول عليه بل يجب أن تصنعها وتعمل على إيجادها بنفسك لنفسك. فما أجمل أن يتبع الشخص شغفه في خضم الحياة السريعة التي نعيشها، وأن يخطف البرهة لتخليد هذا الشغف، نقطة على الهامش ولكنها مفصلية، كان هنالك شخص من بين الحضور ليس كغيره في ابتسامته وسعادته، فعند سؤالي للشهلاء عنه تبين أنه شريك حياتها، فهو حقاً شريك في الشغف عندما يحمل عنها الألوان واللوحات الملطخة بعد انتهاء الورشة، فله الشكر الجزيل والتحايا ولكل شريك نجاح في الحياة من أب وأم وأخ وابن وابنة ومعلم، ساهم في تمكين الأحلام لتصبح حقيقة. فإن لم يكن لك حلم فلا تعرقل أحلام الآخرين، والأجمل أن تكون جزءاً من تحقيقها.