تستكمل الأستاذة حنان آل سيف في الجزء الثاني حديثها عن موسوعة مكة المكرمة (المحرر).. ويحوي الجزء الأول (من هذه الموسوعة) حديثاً شهداً عذباً سلسبيلاً عن الشعر الذي دق به الشعراء على صنج التاريخ، وعلقوه على جدران مكة المكرمة -أدامها الله- وجاءت مباحث هؤلاء الظرفاء على الشكل الهندسي التالي:
- مقدمة الموسوعة مرَّ بك أيها الفاضل قبس منها وهي من شجي حديث الدكتور عبدالله محمد باشراحيل (حفظه الله).
- مدخل مطرب سطره يراع الأستاذ الدكتور محمد بن مريسي الحارثي أشار فيه إلى الخطة المرسومة التي اقتفت الموسوعة أثرها، ودرجت في مسالكها، ولا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا ذوو الفضل -فيقول- حفظه الله: (إيماناً من صالون الشيخ محمد صالح باشراحيل يرحمه الله بمكة المكرمة بالدور الحضاري لهذه البلدة المقدسة.
فقد بادر الصالون للإسهام في هذه المناسبة، وهذه التظاهرة الثقافية بما تستحق من الاهتمام فشكل لجنة بإشراف الدكتور عبدالله محمد صالح باشراحيل وعضوية كل من: الأستاذ الدكتور محمد بن مريسي الحارثي، والأستاذ الدكتور صالح بن سعيد الزهراني، والمهندس تركي محمد صالح باشراحيل، والدكتور عالي ابن سرحان القرشي، والأستاذ مصطفى عبدالواحد زقزوق، والأستاذ صالح بن عبدالله باشراحيل، والأستاذ فهد بن محمد الشريف).
كما أشار إلى مهمة هذه اللجنة فقال: (وضع تصور لإصدار أدبي يحمل صوت مكة المكرمة الثقافي من وجهة النظر الأدبية، ومتابعة خطوات إعداده ونشره). وأما كتاب الموسوعة فقد جاءوا كالتالي:
المحور الأول:
محور الشعر:
أ- في الوعي الشعري العام:
أولاً: فلسفة المكان المقدس.. دكتور جريدي سليم المنصوري.
ثانياً: المكان من الطبيعة إلى الثقافة، (مكة المكرمة رمزاً في الشعر السعودي).. د. صالح زياد.
ثالثاً: مكة المكرمة رمزاً شعرياً (دراسة في عبقرية المكان وجلال الشخصيات وإضاءات الأحداث).. بقلم أ.د/ صابر عبدالكريم.
رابعاً: مكة عاصمة الثقافة الإسلامية.. الدكتور عبدالولي الشميري.
خامساً: الحج الشعيرة والشعر.. د. حسن بن فهد الهويمل.
سادساً: المكان في الخطاب الشعري المكي الحديث المرجعيات والتجليات.. أ.د. جودت محمد كساب.
سابعاً: الواقع العربي واستدعاء التاريخ من خلال دلالة مكة في الشعر السعودي.. فاتن حجازي.
ثامناً: الإشارات الشعرية للجوانب المكية عند بعض شعراء مكة المكرمة.. عبدالله باقازي.
تاسعاً: خطاب القيم في القصيدة المكية.. حسن الوراكلي.
عاشراً: مكة المكرمة في ضمير شعرائها المكيين.. محمود حسن زيني.
ب- في الوعي الشعري الخاص:
وفيه ستة مباحث جاءت على النسق المتتابع التالي:
أولاً: البعد المكي في شعر باشراحيل.. أ.د. محمد بن مريسي الحارثي.
ثانياً: البحث عن الجوهر (قراءة في قصيدة أبيس - لحمزة شحاتة) .. أ.د صالح الزهراني.
ثالثاً: مكة المكرمة وتجليات المكان في شعر محمد عبدالقادر فقيه الموقف والتشكيل الفني.. د. حافظ محمد جمال الدين المغربي.
رابعاً: مكة في شعر حسين عرب.. الدكتور محمد بن إسماعيل عمار.
خامساً: مثيرات مكية في شعر مصطفى زقزوق.. مشهور بن محمد الحارثي.
سادساً: وهو خاتمة المطاف - توجيهات الشعر المكي الحديث.. الشاعر عبدالله محمد جبر نموذجاً.. أ. مريم صالح كساب.
وهؤلاء الكتّاب هم:
وحولي من الفتيان أكرم صحبة
نشاوى افتداء أو نشاوى تودد
إذا قلت هيّا لم أجد من تقاعس
وإن قلتَ كلا لم أجد من تردد
يتيمهم حب المآثر والندى
وما انصرفوا لهواً إلى حب أغيد
تذوقت رغد العيش فيهم وشدّني
إليهم رحيق الود غير المصرد
إذا دهم الخطب المزلزل بينهم
خليلاً رأى في كلهم خير مسند
فأسعدهم منهم وفاء ونائل
وما كل رهط في الحياة بمسعد
مكة (حمى البيت) و(الروض النضير) و(مهبط الفرقان)، و(أكرم واد)، و(فيض وفير) هام بها الشعراء من ذي قبل ووصفوا الحج إليها، والعمرة فيها، فأبدع الشاعر إبراهيم العلاف في رسم دقيق، ووصف جميل لمشاعر الحج، فقال في يوم عرفة:
حطت مواكب للحجيج متاعها
والكل من فرط السعادة يجأر
ذهلوا عن الدنيا وباطل لهوها
وتذكروا الآثام لو تتذكروا
وها هو الغزاوي له روائع شعرية في الترحيب بوفود الحجاج فيقول:
وحيا الله كل صفيَّ قلب
تمسك بالشريعة واستجابا
وأهلاً بالوفود إذا استهلت
ويوم تفيض شيباً أو شبابا
ويجسد تحرك المسلمين في فجاج مكة مشاعر الشعراء السعوديين فيقفون مع الحجيج في دعائهم وتلبيتهم وتكبيرهم وعجهم وثجهم وصعودهم وهبوطهم:
الله أكبر ما أفاض المشعر
وبه الوفود تزاحمت تستغفر
الله أكبر فالفجاج تألّقت
بالقانتين ومن بهم هي تنفر
فكيف وهذا الأمن ضاق رواقه
على كل فج أين سالت روافده
وكأس ترى من هاجع تحت أيكة
وآخر بين الأخشبين مزاده
تحدى مع التفريط من هو سارق
ولكنه الشخص الذي هو فاقده
الله أكبر كم في الحج من أربٍ
عزت به دولة الإسلام والعرب
يا مسلمون ندا الإسلام يجمعنا
على التقى والهدى والبر والأدب
الله أكبر هذا الحشد أمننا
والله وحّدنا في وحدة الأرب
مهما تفرقت الدنيا بها أمماً
وشائج الروح أقوى من عرى النسب
لقد عشق الشعراء أم القرى عشقاً سمى على السحب، حيث أشار الدكتور حسن بن فهد الهويمل إلى أن مظاهر الحج توقظ المشاعر، وتستدر العواطف وتثري المواقف، فيبدع الشاعر في وصف المحرمين والمتحللين وتدفقهم في الأودية والشعاب والسفوح والهضاب، ويعذب صوته في مناجاة ربه الذي وعد بالعتق من النار وينطلق خياله سابحاً في آفاق مفعمة بالإيمان والحب، وتأتي دفقات المشاعر دونما رفث ولا فسوق ولا جدال، فيها شموخ الجبال، وعذوبة الماء الزلال.
يهفو إلى البيت قلبي وهو نشوان
كما هفا نحو برد الماء ظمآن
يهفو إلى البيت قلبي وهو ملتهب
وجداً وفيه من الأشواق نيران
يا رائحين إلى البيت الذي ابتهجت
به معالم تسبيح وأركان
خذو فؤادي فروحي ثم حائرة
بين الربوع وملء القلب أشجان
وكان عشق الشعراء لمكة عشقاً يتسامى عن عشق البشر، عشقوها لما فيها من أمن وأمان وسكينة واطمئنان تاقوا وتلهفوا إلى أسرارها الروحانية، وخلجانها الشاعرية، عشقوها عشقاً يتسامى عن ذلك العشق الذي يكبل الروح، ويستبد بالعقل، ولكن كيف يكون عشق مكة، والغرام بها:
أنت عندي معشوقة ليس يخـ
زي العشق منها ولا يفل العشيق
ما أباهي بالحسن فيك على كثـ
رة ما فيك من مغان تشوق
أنت قدس فليس للهيكل الفـ
ـاني بقاء كمثله وسموق
رب صخرفي بطن واديك-يامكــ
ـة يهفو إليه غصن وريق
لست وحدي متيماً فالملايين
فريق يمضي. فيأتي فريق
تتوالى عليك منهم صبابات
فيصغى لها الفؤاد الرقيق
وإذا كان هذا هو عشق مكة، عشق يتسامى عن الفردية، فالزرافات تلو الزرافات من الناس تهواها، وهؤلاء الناس:
ولولا ظروف عائقات لأصبحوا
وأمسوا بمغنى العز معنى التهجد
جماعات تتبعها جماعات حاجين ومعتمرين وساجدين وراكعين مكبرين وملبين.
وتحتدم مشاعر الوافدين، وتتلاطم لغات المسلمين، وألسنة الحجاج والمعتمرين كل ذي يتجلى في:
جلال يروع النفس والقلب والحجى
وتنسى به الأرواح عالمها الفاني
ومزدحماً فاضت غوارب موجه
بشتى لغات في أفانين ألوان
كل يشحذ همته ويقوي عزيمته مردداً:
رباه كفارتي عن كل معصية
أني أتيت وملء النفس إيمان
أتيت أطرق باباً كل مجترم
أتاه يرجع عنه وهو جذلان
قد استضاف كريماً لا يمن بما
يعطي وفي منه للعبد رضوان
فاغفر وسامح وتب واصفح
ففي كبدي الإثم يصرخ والإحساس يقظان
هذه هي مكة مهبط الوحي، مجمع الرسالات، قبلة الدعوات:
رباه لست للفردوس أهلاً
ولا أقوى على نار الجحيم
فهب لي توبة واغفر ذنوبي
فإنك غافر الذنب العظيم
وبعد:
فموسوعة مكة المكرمة الجلال والجمال هي إطلالة نقدية فلسفية في عشق أم القرى وتبوأها أعلى قمة في ذرى سنام القصيدة السعودية الحديثة.
وهذه الموسوعة استكتبت كتّاب وباحثين سعوديين وفاقت مباحثها الخمسين بحثاً، وقد طرقت الأدب السعودي في البعد الشعري والنثري، وما سطره أعلام الأدب شعراً ونثراً في مكة ذات الجلال وفاتنة الجمال وسؤدد الشرف والرفعة.
مكة:
هي البحر من أي النواحي أتيته
فدرته الياقوت والجود ساحله
أم القرى:
كم هو الحديث عنك، والغزل فيك جد جميل وشائق، وجد ماتع ورائع، أنت مآل الدين، ورجع الحضارة، وينبوع التاريخ، فيك غزل وعفة، وشوق وفضيلة، وروح وروحانية وتسامح وتعايش وعلم وثقافة وأدب وأرب.
فلله درك كم تحمل القرائح في غرائزها من ذكريات عبقة رسمتها في خلودك المتطاول، وكم خلد الشعر من قصيد الشعراء فيك، لأنك عشقهم ومهوى أفئدتهم.
لقد رشد الشعراء في ذراك لغة العقل، ونسائم الفكر، وأهازيج الحكمة، وترنيمات الحنكة.
شكراً للدكتور الأديب الشاعر عبدالله محمد صالح باشراحيل.
ثم شكراً لهؤلاء الكتبة البررة الذين عبروا عن كينونتك المرموقة، وتاريخك الحافل المشرق.
لقد كشفت هذه الموسوعة عن جلال مكة وجمالها، وحضارتها وبسالتها، وعدها وعديدها، وما قيل فيها من شعر منمق، وأدب موفق.
** **
قراءة: بنت الأعشى - حنان بنت عبد العزيز آل سيف
عنوان التواصل: hanan.alsaif@hotmail.com