رشيد بن عبدالرحمن الرشيد
رحل عن دنيانا عمنا الفاضل محمد الرشيد أبوصالح بعد معاناة مع المرض لسنوات.. رحل قبل أن يمهلنا قبلة الوداع.. رحل بعد سيرة عطرة مفعمة بالحب والمودة، رحل بعد أن كان في رعاية الله ثمّ رعاية أهله الذين كانوا بجانبه ساهرين على صحته وعلاجه ودوائه، وإن القلب ليحزن والعين لتدمع وإنا على فراقك أبا صالح لمحزونون.
ولد العم محمد بالرس عام 1349هـ من أبوين كريمين فوالده الوجيه صالح الناصر العبدالله الرشيد من العقيلات الذين سافروا للتجارة وكان من أهالي الرس وأعيانها.. وأمه هي رقية بنت محمد العبدالله الغفيلي والدها لقب (بأبو راسين) لأنه إذا أتاه الضيف يقدم له ذبيحتين فمحمد رحمه الله سليل الأبوين.
عرف العم محمد منذ صغره بحيويته ونشاطه فسعى إلى خدمة جده لأبيه (ناصر العبدالله) حيث كان يرسله في قضاء الحوائج من التجار الذين يتعامل معهم.. إلى جانب معاونة والده في تجارته وشاركه في إحدى رحلاته فقد عرف والده صالح في رحلاته الى الشام والعراق وفي إحدى رحلاته التجارية للعراق رافقه ابنه محمد هناك نزلوا عند القائم بالأعمال السعودية الشبيلي، واستضافهم وقابلوا عدداً من أهالي نجد في ديوانية ورجعوا بعد فترة محملين ( بالزل ) وغيره من البضائع.
لكن بطريق الرجعة لاحظ محمد أن بعض أقرانه من أبناء ديرته يعملون بخط التابلاين شمال المملكة فاستأذن والده بالعمل معهم.. استجاب والده لطلبه لكنه لم يواصل حيث لاحت له فرصة العمل بسكة الحديد فكانت هي وجهته الجديدة فالتحق بوزارة المواصلات وتدرج بالعمل من سائق للقطار إلى مأمور القطار والمسئول عنه.
ومن المواقف اللطيفة كان الملك سعود رحمه الله مسافراً من الرياض للشرقية بالقطار وقال للعم محمد: (ماذا تريدون) فقال العم محمد: نطلب من جلالتكم زيادة رواتب موظفي سكة الحديد.. فأمر الملك سعود حينها برفع الرواتب خمسين ريالاً وكانت تمثل قيمة عالية في وقتها.
كانت طبيعة العمل بالقطار لا تؤدي إلى استقرار نفسي واجتماعي لأبي صالح ورغب في عمل يستقر من خلاله بالرياض، وتمّ له ذلك بشفاعة الوجيه محمد بن صالح العذل لدى وزير الزراعة المشاري ليستمر فيها، ولكن تأخر ترقيته جعلته مهموماً مما جعله يشكي الحال إلى الملك سلمان عندما كان أميراً للرياض، والذي أمر بترقيته مع مجموعة من الموظفين المستحقين وقال: (إذا واجهت أي مشكلة أو عائق تدل مكتبي بالإمارة..) وهذا نهج ولاتنا حفظهم الله نصرة الحق وإنصاف المظلوم واختتم العم محمد حياته الوظيفيه بعد أن انتقل إلى وزارة العمل والشئون الاجتماعية وكانت آخر محطاته في خدمة وطنه حيث تقاعد بحدود عام 1406هـ.
كان العم أبو صالح يشوقه الحنين إلى مسقط رأسه الرس من وقت لآخر للاطمئنان على والديه وزيارة أقاربه وجماعته.. وفي الثمانينات والتسعينات الهجرية من القرن الماضي كان يشاركهم في مخيماتهم الربيعية في أطراف الرس ويوثق ذلك بصور حملت الذكريات الجميلة بجمال قلبه وطيب معشره فقد كان محبوباً من الجميع بكلامه العذب ومداعباته وإدخال روح الأنس والسعادة لمن حوله، كيف لا وهو يحمل قلباً نظيفاً من الغل والحسد ونفساً زكية.
قبل ثلاثة عشر عاماً تسللت الأمراض إلى جسده الطاهر وأصيب بجلطة في المخ وكان صابراً محتسباً حتى أصبح طريح الفراش في غيبوبة.. وفي فجر يوم الجمعة الموافق 27-12-1442 هـ وافته المنية بالمستشفى العسكري بالرياض وأقيمت عليه الصلاة في جامع الراجحي ثم ووري جثمانه الثرى بمقبرة النسيم بمدينة الرياض وسط ألسنة تلهج له بالدعاء والرحمة والغفران وعيوناً تدمع على فراقه.
رحل العم محمد إلى رب كريم.. اللهم ثبته على القول الثابت واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وجازه بالحسنات إحسانا وبالسيئات عفواً وغفراناً واجعل ما اصابه كفارة وطهورا..وأحسن الله عزاء أهله فيه واجبر مصابهم وألهمهم الصبر والسلوان بفقيدهم الغالي وصادق المواساة إلى أبنائه وبناته وإخوته وأحفاده وإلى أسرة الرشيد بالوطن كافة.. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
** **
- الرس