وبارك الله في الأرض التي ضمنت
أوصاله وسقاها باكرُ الدّيم
سعيدٌ من إذا رحل وغاب عن الوجود ظل ذِكره طرياً، يردده عارفوه ومحبوه كلما يمر على أسماعهم رنين ذكره الطيب، جيلاً بعد جيلٍ، ونرجو أن يكون ذلك من علامات ورضا ومحبة المولى له:
وإذا أحب الله يوماً عبدهُ
ألقى عليه محبةً في الناس
حيث انتقل إلى رحمة الله الأستاذ محمد بن أحمد الشدي (أبو عبدالعزيز) يوم الاثنين 30-12-1442هـ، متزامناً مع نهاية عام 1442هـ. وقد شهد جامع الجوهرة البابطين شمال الرياض كثافةً من المصلين عليه، ومن معه من الراحلين إلى الدار الآخرة عصر يوم الثلاثاء 1-1-1443هـ، ووري جثمانه بمقبرة (مشرفة) بحريملاء داعين المولى له بالرحمة والمغفرة..، تبودلت فيها التعازي والمواساة لمن حضر من أسرته في جو حزنٍ وأسى، ولك أيها القارئ الكريم أن تتصور حال الأستاذ علي (أبو عادل)، وهو يتابع بنظراته جثمان شقيقه داخل لحد جَدَثَه حتى أخفته اللبنات عن ناظريه، ثم أُهلت التّربُ على مضجعه فبات تحت طيّات الثرى وحيداً مجاوراً لمن سبقوه، وبأخيه «أبو عادل» ما به من لوعات الفراق الأبدي، والحزن العميق الذي يعتْصِر مُهْجتهَ، ولسان حاله في تلك اللحظات المشحونة بالأسى يحاول دفع عبرات عينيه:
فلستُ بمالكٍ عبرات عينٍ
أبَتْ بِدُمُوعِها إلاَّ انْهِمَالاَ
فلم يزل يردد في خاطره معنى هذا البيت الذي يَقْطِرُ حزناً وتحسّراً:
أُخيَّينِ كُنّا، فرّقَ الدهر بيننا
إلى الأمدِ الأقصى ومن يأمنُ الدهرا
كان الله في عونه وعون أبنائه وأسرته..، ولقد ولد الفقيد في حريملاء، وعاش طفولته في أكنافها، يقضي جُلّ وقته في أجواء فرح ومرح مع أتْرابِه وَلِدَاتِه من أبناء عمه وأقربائه وجيرانه...، وعند بلوغه السن النظامي الذي يمكنه في الدراسة.. التحق في إحدى مدارس الكتّاب للقراءة والكتابة، وحفظ القرآن الكريم، ومما سهل عليه السير في ذلك تشجيع والده؛ شيخنا الفاضل أحمد بن علي الشدي -رحمه الله- بعد ذلك واصل دراسته النظامية بدءًا من المرحلة الابتدائية، ثم انتقل بعد ذلك مع والده وأسرته إلى الرياض، حيث عمل والده ناظراً على مزارع ونخيل الأمير فيصل بن تركي الواقعة بحي السويدي، المجاور لنخيل الأمير سلطان بن عبدالعزيز غربي حي عتيقة بالرياض، وكنت أسعد بزيارتهم أيام تلقي مبادئ العلم لدى المشايخ الفاضل الأجلاء في حي دخنه عامي 69/ 1370هـ، فأجد كل ترحيب وتكريم من شيخنا أحمد وابنه محمد -رحمهما الله-. وفي مقتبل شباب الأستاذ محمد، وعندما اشْتَدَّ سَاعِداه مُتأهلاً بسلاح العلم والثقافة.. بدأ العمل في مجال الإعلام والصحافة بمكتب صحيفة المدينة بالرياض محرراً، وكان -رحمه الله- يملك قلماً سيالاً يمُجّ مداده على الكثير من ورقات الصحف وعدد من المجلات، وقد رأس مجلة اليمامة ومجلة الجيل ومجلة السنبلة التي أسسها هو وشقيقه الأستاذ الفاضل علي؛ فهو طويل الباع في مجال الثقافة والصحافة حيث قضى أكثر من نصف قرن فيها، تتلمذ على يديه الكثير من الكوادر الإعلامية، وكأن الشاعر قد أوحى إليه بهذا البيت لما علم بنشاط قلمه الذي لا يكلُ مع مرور الزمن:
إذا كنتَ ترجو كِبار الأمور
فأعدد لها همةً أكبرا
وقد سبق للفقيد أن شغل منصب رئيس الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون إلى أن أخلد للراحة متقاعداً، فهو على جانب كبير من اللطف والتواضع، صديقٌ حبيب إلى قلوبنا، وقد لمسنا ذلك عنه عن قرب أثناء العمل في اللجنة الأهلية المباركة في محافظة حريملاء منذ عقود طويلة.. معه ومع نخبة من أبناء البلد البررة حيث تحقق الكثير من مطالب اللجنة في إيجاد ما تحتاجه حريملاء وضواحيها من الدوائر والمصالح الحكومية، فأصبحت الآن كاملة من المصالح والدوائر الحكومية.
وقد عانى الفقيد في آخر حياته من المرض، وذلك بعد وفاة زوجته ثم ابنه الأكبر (عبدالعزيز) اللذين سبقاه إلى دار البقاء رحمهم الله جميعاً - وتغمد الله الفقيد بواسع رحمته وألهم أخاه الأستاذ علي وأبناءه وبناته وكافة أسرة الشدي الصبر والسلوان:
حناناً لكم فيما طويتم جوانحاً
عليه، وعطفي يا وحيدُ ورحمتي
** **
عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخريف - حريملاء