م. بدر بن ناصر الحمدان
الجادّة في المعجم هي «وَسَطُ الطريق» أو «الطريق الأعظم الذي يجمع الطُّرق»، وجمعها «جَوادِّ أو جادَّات الطَّريقِ»، يقال «اِلْتَقَى بِهِ فِي جَادَّةِ الطَّرِيقِ: فِي عَرْضِهِ، فِي وَسَطِهِ»، وبالرغم من تعدد المفاهيم التي تناولت «الجادة» مكانياً، إلا أنه يمكن الإشارة إليها على أنها ذلك الشريان العمراني الأكثر حركة ونشاطاً في محيط المدينة.
تخفق الكثير من المدن في صناعة المحتوى المعنوي الذي يحتاجه الناس، لأنها باختصار ما زالت تعمل بعقلية تطوير «المكان» دون التركيز على «المحتوى» الذي هو في الأصل الأداة الحقيقية لإيجاد التفاعل بين الإنسان ومدينته، ودونه تبقى المدن مجرد حيّزات مكانية غير قابلة للحياة وإن بدت كذلك.
يجب أن تتوقف المدن عن خلق طوفان «الأطعمة» و«التسوّق» الذي يظهر على هيئة أسواق وأماكن مهيأة للمطاعم والمقاهي، وألا تنجّر وراء مثل هذه المشاريع الاستهلاكية الربحية التي كرسّت مفهوم الشراء وتناول الطعام كأنشطة رئيسة لأفراد العائلة خارج المنزل - مهما كانت جاذبيتها -، وأن تتجه إلى ممارسة أفكار أكثر تنافسية على المدى البعيد، تكون قادرة على بناء مجتمع عمراني على درجة من المدنيّة.
الاتجاه إلى تأسيس مشاريع تُعنى بمفهوم «الجَادَّة الثقافية» بمختلف صورها في كل مدينة سوف يؤسس فكراً عمرانياً نوعياً يتجاوز تقليدية التطوير المبني على استنساخ منظومة استخدامات الأراضي المُكرّرة، فالمدن باتت اليوم بحاجة ماسة إلى الخروج بسكانها من مأزق «المدينة المطعم» أو «المدينة السوق» والذهاب بها إلى فضاءات مفتوحة تستثمر الأماكن المميزة للقاءات الناس والمشجعة على المشي من خلال شكلها المُمتد، ووظائفها الحضرية المتكاملة، وأنشطتها الثقافية المتوزعة داخل الفراغات العمرانية الجاذبة بأي شكل كان، والقادرة على صناعة المحتوى المفقود داخل المدن بهدف تغذية عقول الناس وبناء ثقافتهم والارتقاء بسلوكياتهم.
التحوّل في عقلية إدارة المدن يتطلب إعادة لبرمجة أولويات التطوير، لمواكبة التحوّل المُناظر في ثقافة إنسان المدينة نفسه.