د.شريف بن محمد الأتربي
يمر الإنسان بمراحل عديدة في حياته، تعرض على مسامعه خلالها العديد من المصطلحات، يظل أثر بعضها محفوراً في ذاكرته، وبعضها الآخر يتلاشى إما فورياً أو بمرور الزمن لعدم ارتباط المصطلح بمجريات حياته، سواء الشخصية أو العملية.
ومن المصطلحات التي تأثرت بها طوال حياتي أربعة مصطلحات أعدها من أهم المصطلحات التي ارتبطت بها، وتأثرت بمفهومها، وحاولت الاستفادة منها في تحسين وتجويد أعمالي؛ الدافعية والتحفيز والرغبة والقدرة. حيث تعد الدافعية من أهم المصطلحات التي تترادف مع مسار حياة الإنسان فهي المحرك الأساسي للنجاح، وهي تنبع من الشخص نفسه، يمكن التأثير فيها، ومن المهم قياس أثرها.
وتترافق الدافعية مع الإنسان طوال حياته، فهي وقود نجاحه، تنقله من نجاح إلى نجاح، وهي ليست مرتبطة بالتعليم فقط كما يظن الكثيرون؛ بل هي أقرب أن تكون جزءاً من نفس الإنسان، كلما ارتفعت دافعيته زاد عمله، وإن كان خيراً فهو خير يعود عليه.
ويشير مصطلح الدافعية Motivation إلى مجموعة الظروف الداخلية والخارجية التي تحرك الفرد من أجل تحقيق حاجاته، وإعادة الاتزان عندما يختل. وللدوافع ثلاث وظائف أساسية في السلوك، هي: تحريكه وتنشيطه، وتوجيهه، والمحافظة على استدامته إلى حين إشباع الحاجة. ومن خلال التعريف، نجد أن الدافعية هي المحرك الداخلي للإنسان، بينما السلوك هو التعبير الخارجي عن الدافعية. ولا ترتبط الدافعية بالسلوك الحسن فقط، فأحياناً تكون الدافعية سبباً في سلوك الفرد سلوكاً سيئاً بغرض تحقيق الهدف المنشود.
ويربط كثير من التربويين والمتخصصين بين الدافعية والتحفيز Stimulate، حيث يعد التحفيز هو المؤثر الخارجي الذي يثير دافعية الفرد نحو تحقيق الهدف. والتحفيز أيضاً قد يكون داخلياً، أي أن الإنسان نفسه هو المحفز لذاته، وغالباً ما يكون خارجياً خاصة في بيئة العمل، وفي المحيط الأسري. ويختلف تأثير الحافز الخارجي من شخص إلى شخص آخر، حيث يرى البعض أن نوعية الحافز نفسه وقيمته وقدره هي من العوامل المؤثرة بقوة في تحريك الدافعية لدى الفرد لتحقيق الأهداف.
وقد اختلف العلماء في تعريف الحوافز شكليّاً، إلا أنّهم اتّفقوا في مضمونها، فعرّفوا الحوافز بأنّها (مثيراتٌ تُحرّك السلوك الإنساني، وتُساعد على توجيهه نحو الأداء المطلوب، عندما تكون هذه الحوافز مهمّةً بالنسبة للفرد)، وقيل: إنّها ما يُقدَّم للفرد من مُقابل ماديّ أو معنويّ؛ كتعويضٍ عن أدائهِ المتميّز. الحوافز مهمّة لمختلف فئات المجتمع من أفراد، ومُدرّبين، ومؤسّسات، فتحفيز العاملين وتحميسهم من أهمّ عوامل النجاح.
ومصطلحنا الثالث هو الرغبة. فالرغبة (Desire) هي الشعور بالاحتياج إلى شخص أو شيء، وقد عدّ علماء النفس 16 رغبة لدى الإنسان تحرك سلوكه، وعُرفت بكونها، الحاجة إلى التملك، أو الصورة التي يريد بها الفرد أن يكون، لكنه لم يكن قد وصلها بعد. بشكل عام تعتبر الرغبة مشكلة بحد ذاتها في الفلسفة الكلاسيكية، بسبب طبيعتها المتناقضة، والرغبة دوماً تبحث عن مصدر للإشباع؛ بحيث يصاحبها الإحساس بالحرمان والفقد والعناء. والرغبة دافع داخلي لدى الإنسان لتحقيق إشباع لحاجة ما، وهي وقود للدافعية ترتبطان ارتباطاً طردياً، فكلما زادت الرغبة زادت الدافعية لتحقيق الرغبة. ويستخدم كثير من التربويين المثيرات أو المحفزات لتحقيق الرغبات مما ينعكس على زيادة الدافعية، وبالتالي تحقيق الإنتاجية المطلوبة أو أكثر.
والمصطلح الرابع في هذا المقال هو القدرة Ability، وهي الطاقة، أو قوّة المَرء على فعل شيء ما، والتمكُّن منه. وهذا المصطلح خطير جداً، فهو إن بدا واضحاً لدى المسؤول عن العمل أو التعليم أو... سهل كثيراً من الأفعال المرتبطة بهذا العمل، وعند إغفاله يؤدي إلى كثير من المشكلات وربما الكوارث، فلكل شخص مجموعة من القدرات التي تمكنه من تحقيق أهدافه وطموحاته، ويمكن تنمية القدرات هذه بالتدريب والممارسة حتى تتحول إلى عادة، أو سلوك. ولكن في النهاية تظل هناك حدود للقدرات لا يمكن تجاوزها، بل إن محاولة تجاوزها ربما تؤدي إلى فشل ذريع، وعواقب نفسية وسلوك غير سوي.
تظل القدرة هي العامل الفيصل بين الدافعية والرغبة، حتى وإن توفر التحفيز، وتمثل المسابقات الجارية في دورة الألعاب الأولمبية طوكيو 2020 ونتائج المتسابقين فيها مثالاً واضحاً على الفرق بين هذه المصطلحات وآلية توظيفها في الحياة العامة والعملية للطفل حتى نستثمر مفاهيم هذه المصطلحات لتحقيق الأهداف سواء العامة أو الخاصة بطريقة سلسلة وسهلة، ودون إرهاق للطرف المناط به التنفيذ أو المُنفذ معه، خاصة في مجال التعليم.