عطية محمد عطية عقيلان
أجمل وأمتع الفنون الأدبية فن «السخرية» والتي تتناول واقع المجتمع أو حال الشخص بأسلوب ساخر يجذب المتلقي ويدعوه الى الضحك والابتسام، رغم أنه أحياناً يكون الموضوع جدياً ويتحدث عن معاناة أو مأساة مؤلمة، واشتهر من الأدباء العرب قديماً في الأدب الساخر «أبوالعتاهية» و»الجاحظ»، وتناولا واقعهما بأسلوب ساخر يدعو إلى الضحك ولكنه يوصل الرسالة المرادة للمتلقي، بل إنه في كثير من قصصهما سخرا من شكليهما ولونيهما ونقلاها بأسلوب ساخر ومضحك ولكن بهدف وصول رسالة عن تذمرهما من نظرة المجتمع وسطحيته في الحكم على الناس من هيئتهما دون النظر إلى أدبهما وخلقهما.
لذا من المفارقات التي تستوجب الوقوف والتفكير هو انتشار الأدب الساخر أثناء الأزمات والحروب أو الأزمات النفسية الشخصية من فقر ومرض، وهذا ما نراه في أشعار أحمد فؤاد نجم «العامية» في تناول قضايا المجتمع والتعبير عن رؤيته لها بأسلوب السخرية والنقد اللاذع المضحك ليجذب المتلقي ويعرفه بها، ويتضح جلياً انتشار الأدب الساخر بما حدث في الثورة الدموية في روسيا وظهور هذا الفن بل واعتبر من ضمن «المقاومة بالضحك» وكان من ضمن رواده الأديب «ميخائيل زوشينكو» والتي ترجمت مؤلفاته وقصصه إلى أغلب اللغات مع قلة ترجمتها الى اللغة العربية سوى محاولة من الروائي المصري يوسف نبيل الذي ترجم بعضها ووضعه في كتاب بعنوان «قصص مختارة»، وامتاز أسلوب زوشينكو بالبساطة والضحك واستخدام اللهجة العامية، رغم جدية ما يتناوله من أحداث كمرضه أو حالة الفقر والفساد الموجودة، وكان اسلوبه الساخر المضحك سبباً في انتشار روايته وتعرضه للاضطهاد والملاحقة والسجن ومنع كتبه في الاتحاد السوفيتي، وكان ينظر إلى السخرية بأنها «السخرية من الأكاذيب والغباء والنفاق والخنوع والغطرسة»، لذا نشهد في حياتنا ونصادف من يمتازون بالطرافة والاضحاك في سردهم للواقع والأحداث وأحياناً يتندرون على أنفسهم وشكلهم، ليعبروا عن واقعهم وحياتهم ومعاناتهم ولكن بطريقة مضحكة تجذب من حولهم وتحسدهم على خفة دمهم رغم حياتهم الحقيقية المليئة بالمشاكل والعقبات والمآسي والحاجة. ومقولة برناردشو «عندما يكون الشيء مثيراً للضحك، فابحث جيداً حتى تصل إلى الحقيقة الكامنة وراءه»، فبرغم شهرة بعض أدباء الفن الساخر إلا أنهم يعانون أحياناً من الاكتئاب والكدر النفسي، كما حدث مع ميخائيل زوشينكو وأدى إلى انتحاره رغم أن كل مؤلفاته تدعو الى الضحك المتواصل، وهذا يسترجع لنا المثل الشهير «باب النجار مخلع» دلالة على أن من يضحكون الناس أو يقدمون خدماتهم ونصائحهم هم في الحقيقة أحيانا لا يستفيدون من بضاعتهم أو أدبهم أو معرفتهم في خدمة أنفسهم ومن حولهم، لذا أوجه نفسي ومن حولي بأن نحاول دوماً تطبيق ما ننادي به ونحث الناس على عمله، وكما يقول المثل الإيطالي «بين القول والفعل يتوسط البحر» أي أنه نحتاج الى تطبيق وفعل ما ننادي ونؤمن به كالسباحة لنبلغ الشاطئ بين القول والفعل.