محمد سليمان العنقري
لم يكن من حدث يطغى على المشهد العالمي خلال الأيام الماضية كخبر انتقال النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي لصفوف نادي باريس سان جرمان الفرنسي بصفقة انتقال حر بعد أن انتهى عقده مع نادي برسلونة الذي فشل بتجديد عقد ميسي لأسباب تتعلق بقواعد اللعب النظيف التي تمنع الأندية بإسبانيا وبعض الدوريات الأوروبية التي تطبق ذات القواعد بأن تزيد رواتب اللاعبين عن 70 بالمائة من دخل النادي. وقد لعب ميسي لنادي برشلونة 21 عاماً صنع خلالها مجدًا جديدًا للنادي الكتالوني، وكان سبباً في تحقيق 35 بطولة طوال هذه المسيرة خصوصاً بعد أن انضم للفريق الأول منذ 15 عاماً، لكن ما تحقق اقتصادياً لبرشلونة المدينة والنادي وحتى لخزانة الدولة الإسبانية يعد كبيراً جداً من خلال هذا اللاعب، حيث أظهر تأثير المبدعين على اقتصاد الدول التي يعملون بها.
فعند النظر للأرقام الاقتصادية التي استفادت منها إسبانيا ونادي برشلونة من وجود ميسي طوال هذه السنوات تظهر بأنها ضخمة جداً، وذلك من خلال الخسائر التي ستلحق بالنادي من جراء خروج ميسي وانتقاله لباريس، فسيخسر نادي برشلونة 30 بالمائة من دخله كان ميسي سبباً بها، تشمل عقود الرعاية التي ستنخفض وكذلك حقوق البث التلفزيوني والمبيعات بمتجر النادي وذلك بنحو 200 مليون دولار، هذا بخلاف التراجع المتوقع بدخل التذاكر لحضور المباريات التي كان جزء كبير من الإقبال عليها بسبب وجود ميسي بالفريق الأول للنادي، أما بمبيعات قمصان النادي فالخسارة ستصل إلى 24 مليون دولار سنوياً حيث إن من بين 9 قمصان تباع ثمانية منها تحمل اسم ورقم ميسي، أي أن نادي برشلونة ستهبط إيراداته السنوية من مليار دولار إلى 700 مليون دولار تقريباً، فكل دولار يكسبه ميسي كان برشلونة يتحصل على ثلاث دولارات مقابلاً له بسبب هذا النجم الاستثنائي، كما أن العلامة التجارية للنادي ستفقد 11 بالمائة من قيمتها ليكون الانخفاض بنحو 137 مليون يورو من أصل 1266 مليون يورو، أما الخسائر الأخرى فتتمثل في استثمارات ميسي في برشلونة حيث يمتلك فنادق عدة، وهذا يعني أنه قد يتوقف عن ضخ استثمارات جديدة بالمدينة، بينما ستصل خسائر خزانة الدولة الإسبانية إلى 110 ملايين دولار كان يدفعها ميسي كضرائب سنوياً على دخله، وبما أن دخل ميسي مرتفع منذ أكثر من عشرة أعوام لما يقارب آخر المستويات التي تحصل عليها بالعقد الأخير فهذا يعني أن إسبانيا الدولة دخل خزينتها أكثر من مليار دولار كضرائب من هذا اللاعب خلال وجوده مع برشلونة.
وعلى الصعيد الآخر فإن المكاسب بدأت تتحقق لنادي باريس سان جرمان بمجرد الإعلان عن التعاقد مع ميسي، فقد طرح النادي قمصان الفريق التي تحمل اسم ميسي عبر متجره الإلكتروني حيث بيع 150 ألف قميص في 7 دقائق بينما بيع عبر منافذ البيع المباشر ما وصل إلى مئات الآلاف، وقدرت متحصلات مبيعات أول يومين من القمصان عند 16.5 مليون دولار، وبدأت مباشرة شركات استثمارية تتصل على نادي باريس لتوقيع عقود رعاية واستثمار، فيما ارتفعت أسهم نادي ليون ومجموعة فيفندي المالكة لإحدى القنوات الرياضية بالبورصة الفرنسية مع التوقعات بزيادة متابعة الدوري الفرنسي وزيادة إيرادات الأندية من حقوق البث، وبخلاف أن خبر انتقال ميسي كان المهيمن على المشهد الإعلامي الدولي، إلا أن ما يلفت النظر هو حجم التأثير للفرد المبدع فقصص نجاح وتأثير الأفراد عموماً والمبدعين خصوصاً تستحق الوقوف عندها لأنها باتت تعني الكثير، فلم يعد النظر لأي اقتصاد دولة من خلال تأثير الحكومات أو الشركات فيه فقط بل أصبح الفرد له قيمة اقتصادية كبيرة جداً ويمكن أن يلعب دوراً هائلاً بتأثيره في تغير جوانب من مشهد اقتصادي لمدينة أو قطاع أو حتى دولة، فمن أسسوا شركات بأفكارهم كستيف جوبز وبيزوس وغيرهما صنعوا تاريخاً جديدًا للاقتصاد الأمريكي والعالمي بشركات باتت قيمتها السوقية التريليونية تناهز حجم اقتصاد دول كبرى مثل روسيا أو الهند أو كندا.
الرياضة صحة وترفيه ولها أثر اجتماعي واقتصادي مهم جداً، وما الحديث عن تأثير ميسي ليس إلا حدث اقتصادي في أحد جوانبه يستحق دراسته لكيفية تعظيم حجم الاقتصاد من خلال تهيئة البيئة لاستقطاب ودعم المبدعين لما له من انعكاس إضافي مهم ومحفز لبقية أفراد المجتمع ليكتشفوا مهاراتهم وما هي نقاط القوة لديهم ليستثمروها ويضيفوا قيمة لاقتصاد دولتهم ومدنهم والمنظمة أو المنشأة التي يعملون بها.