مها محمد الشريف
بعد انسحاب أمريكا من أفغانستان سقطت ثماني عواصم إقليمية في يد طالبان خلال أيام واقتحم مقاتلو طالبان خط جبهة قندهار وعمت الفوضى ثاني كبرى مدن أفغانستان، ومن ثم سيطرت على أغلب المدن، فمنذ عهد ترامب كانت المفاوضات مع طالبان جارية حيث أعلن مسؤولون أمريكيون وأفغان أن الولايات المتحدة وحلفاءها في الناتو سيسحبون قواتهم من أفغانستان خلال 14 شهراً، في حال إيفاء حركة طالبان بالتزاماتها بموجب اتفاق تم توقيعه في العاصمة القطرية الدوحة وجاء الإعلان في بيان أمريكي أفغاني مشترك صدر في كابول في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب.
لنقل هنا إنه الضوء الأخضر لطالبان بالمضي قدماً عطفاً على المعطيات والاتفاقيات بين الطرفين، فقد قال الرئيس الأمريكي حينها «إنها كانت «رحلة طويلة وشاقة» في أفغانستان، وقد حان الوقت بعد كل هذه السنوات لإعادة جنودنا إلى الوطن»، وفي كلمة في البيت الأبيض، قال ترامب إن حركة طالبان كانت «تحاول التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة منذ فترة طويلة»، و»إن القوات الأمريكية كانت تقتل الإرهابيين في أفغانستان «بالآلاف»، والآن حان الوقت لشخص آخر للقيام بهذا العمل وستكون طالبان وقد تكون دولًا محيطة». فهل الهدف إدخال مزيد من الفوضى وعدم الاستقرار لآسيا الوسطى؟ أم أن الغاية إشغال الصين وروسيا مستقبلاً؟
وعلى نحو آخر يمكننا القول: كل ما يحدث في أفغانستان من فوضى سيكون له تأثير على روسيا، فلم يعد خافيًا استعدادات وزارة الدفاع الروسية بأنها سترسل أربع قاذفات بعيدة المدى فوق الصوتية من طراز «تو-22 إم 3» إلى حدود أفغانستان، ضمن إطار تدريبات مشتركة تجريها حاليًا مع أوزبكستان لتفاقم الظروف الأمنية في أفغانستان.
وهنا لب الموضوع وأهدافه فقد كانت أفغانستان دولة حدودية للجمهوريات التي كانت ضمن الاتحاد السوفيتي السابق، حيث لها حدود مشتركة مع طاجكستان وأوزبكستان وتركمانستان من الشمال وإيران من الغرب والصين من الشرق، فيما تحدها باكستان من الجنوب، وتلك الدولة ذات الموقع جيوإستراتيجي تربط شرق وغرب وجنوب ووسط آسيا، فالتحديات ليست بعيدة المدى وقد بدأت بالمحور الجغرافي، ولعبة السيناريوهات هنا لا تعتمد على الصدف أو على الانتقائية، بل تثبت للواقع بأن الازدواجية الأمريكية سائدة ومستمرة، فهي تتحالف مع الأضداد وتبني مع كل دولة مصالح مشتركة وأيضاً تجيد إدارة التناقضات وإخضاعها لمصلحتها لكي تحافظ على موقع الصدارة، فالكل مرتهن لحليف دولي كبير في وجود خيارات صعبة وفصولاً أخرى من التناقضات السياسية.
عشرون عامًا من الحرب والصراع الذي تسبب في مقتل عشرات الآلاف وتشريد الملايين، ثم تنسحب القوات الأجنبية من أفغانستان في أعقاب اتفاق بين الولايات المتحدة ومقاتلي طالبان الذين أزيحوا عن السلطة في عام 2001، هنا يمكن أن نلاحظ الاتفاق السابق ونتائج تنفيذه في الوقت الذي قرر فيه الرئيس جو بايدن سحب القوات الأمريكية دون قيد أو شرط من أفغانستان، ليكمل المهمة بعد هذا الانسحاب بتقليص عدد الموظفين من السفارة الأمريكية في كابول في ضوء الوضع المعقد والمتدهور، فبعد القراءة السابقة في هذا الملف يصدم العالم بقراءة وفهم التناقضات التي تظهرها أميركا في الملف الأفغاني فبعد أن أزالت حكومة طالبان نجد أنها خلال 18 عاماً لم تبنِ جيشاً أفغانياً يحمي الدولة الحديثة التي أسست بعد الغزو الأمريكي الغربي، ثم تنسحب أمريكا وتعود طالبان للسيطرة من جديد وبقوة أكبر مما كان سابقًا، فهل كانت حكومات واشنطن المتعاقبة تضعف طالبان أم تقويها طوال هذه السنوات، فماذا تريد أمريكا من هذا الانسحاب؟