د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
تزدهر «دراما» الكتابة في عمومها عندما ينكشف خلالها الحنين إلى الماضي والاشتياق للاستقامة في الحاضر والمستقبل، وحالات حب وسلام افتراضية وبنمط يتوق إلى تحقيقها ويقين وتفاؤل عميق ببراءة الحياة إلا من الجمال والأخلاق الكريمة، هكذا قال وكتب الكاتب الأجدر أستاذ الثقافة وصديق الصحافة حمد القاضي في كتابه الجدير «مرافئ على ضفاف الكلمة» في طبعته الثانية، وتصدّرتْ الكتاب بنية تركيبية مختلفة تفتقتْ من التقديم الفاخر، والإهداء الودود والافتتاحية المحفزة بالمقال الأول للكاتب؛ وكل ذلك حتما هو ما اقترح علينا الولوج الداخلي لمحتوى الكتاب لنتتبّع تمنيات الكاتب نحو مجتمعه ووطنه، فالتحولات الموضوعية في الكتاب تطرق شغاف الوجدان، وتحمل مفاتيح الاستقامة والإصلاح، ولقد عوّدنا عليها الأستاذ حمد القاضي في طروحاته المقالية الصحفية من خلال إشاراته الخاصة إما إلى الهموم المجتمعية، وإما إلى الهمة المجتمعية أيضاً؛ ومن ثمَّ يقوم الكاتب بإعلان مميز عما أراد مستدلاً بمشاهداته ويضع بصمته الممهورة بخطة الإصلاح والنموذج الصحيح! وفي ثنايا الكتاب يتذكر الوفيُّ حمد القاضي حزمة من الأصحاب بوصفهم جزءاً من المشاهد المثيرة فكأن القاضي يوجه نفسه في شكل مناجاة إلى ماضيه المكتنز بالمواقف والخبرات؛ ولذلك جعل من كتاب المرافئ قضية طرح كبرى ناقشها بوهج ودود في «منصة قيصرية الكتاب» في نهاية الشهر الماضي عندما وقع الطبعة الثانية؛ وعندها صدح بصراحة أنّ كتابه هذا هو أغلى كتبه عليه لثلاثة أسباب؛ على رأسها أنّ كتاب المرافئ يمثله كاتبًا وإنسانًا، ثمّ وفاء لشخص المُهدى إليه «والدته رحمها الله»، وتقديرًا لرمز ثقافي كبير كتب تقديمًا لم يمر على كتاب قبله - في نظري- وهو معالي الدكتور غازي القصيبي رحمه الله؛ وتحمل مرافئ القاضي باقات من سعادة الكاتب في التذكر! كما احتفظ مؤلف الكتاب بالاستعارة النموذجية الأصلية كما لوكانت ناتجة عن فورية التجربة المباشرة وفعاليتِها، وفي العموم فإن حمد القاضي كان وما زال كاتباً قريباً من وجيب المجتمع وقادراً على إحداث تغييرات حقيقية بقلمه المتين؛ وفي مرافئ حمد القاضي ملمح يتفرَّد به هو ركوب النقد الوسيط البعيد عن المعايير السائدة؛ والفحوى الأساسية لكل موضوعات الكتاب يقف عليها المؤلف ليحقق السعادة التي كان يحملها في الماضي وما زال ولكن بصورة متطورة لإيمانه التام بالاندماج الحضاري، فعندما تقاسمنا مع اكاتب الغوص في مرافئ الكتاب الاجتماعية والوطنية والثقافية والتأملية اكتشفنا مشاعر الورق التي جعلت من كل فكرة وصولاً نبيلاً يتهادى مع شعور الكاتب وأهدافه السامية من الكتابة فموسوعية الأفكار حاضرة في الكتاب بلا منازع، ومكاييل الثناء على كل استحقاق وطني ومجتمعي يلوّحُ في أروقة الكتاب وآفاقه، والعبارات البيضاء عند الكاتب متاحة لجميع الأذهان، وفي ثنايا المواضيع وفحوى العبارات وتتابع الفرص المطروحة للتلقي ومن ثم الوعي نجزم أن حمد القاضي يدعونا لنتشارك معه في حدائق أفكاره لنعلم كيف يرى ما يحيط به وبمجتمعه مما تجب المشاركة في تقييمه وتقويمه! فالعبارات لا تزهر بغير الصّدق الذي يسكنها في نفس القارئ لكونها لا تسترد أو تستبدل عندما تتلقفها الأذهان!
وفي كل مقالات الكتاب مرافئ ملأى بالحواس التي لم تتغير عند الكاتب في سرده الصحفي وحديثه المنبري فكل كلمة في المرافئ على ما يبدو يمكن أن تكون كتاباً خاصاً وانتقالاً في مرتبعات الوطن ووقفات درامية للغاية لمعالجة شجن ودعم إصلاح وفلاح وحثّ واستحثاث على الثقافة القرائية والأخذ من كل علم بطرف وفي مرافئ القاضي احتفاء بالشعر وأهله فقد نثر الأبيات كلما ناسبتْ وتناسبتْ مع أفكاره كما «نُثرتْ فوق العروس الدراهم»! وعلى سدة الكتاب وزن جديد فريد لكل مقومات التعايش الإنساني تبرز من خلال خدمة النّاس لينتشر نور المودة في نطاق المجتمعات الإنسانية..
والكتاب فعلاً مرافئ لأفكار المؤلف ومرجع غزير للإشارات المباشرة عما منحه الله للمؤلف من قدرات في انتقاء الطروحات وتعزيز رؤيته الشخصية تجاه الكون والحياة..