الرياض- خاص بـ«الجزيرة»:
كشف أكاديمي متخصص في العلوم الشرعية أن الجماعات والتنظيمات المتطرفة ومنها جماعة الإخوان تحاول بشتى صورها ومسمياتها منذ حقب متطاولة النيل من المملكة العربية السعودية وزعامتها الدينية، وإظهار نفسها وقادتها بمظهر الحريص على تطبيق تعاليم الإسلام وتصوراته، وذلك لجذب الناس إليها وتحقيق مكاسبها السياسية والفكرية.
وقال الدكتور رياض بن حمد بن عبدالله العُمري أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في حديثه لـ»الجزيرة» أنه كان لزاماً على أهل العلم، وخصوصاً الأكاديميين في مجال دراسة هذه الجماعات المتطرفة، التحذير منها وتوعية الناس بها وتوضيح شرورها.
وأكد الدكتور رياض العُمري ضرورة مشاركة أهل التخصص في علم العقيدة في تصحيح المعلومات المغلوطة التي تروّج في وسائل التواصل الاجتماعي لأنه قد تفسد عقائد الناس، ومن الأهمية بمكان أن يتصدى ذوي الاختصاص لذلك.
وتناول الحوار مع الدكتور العُمري عدد من المسائل والقضايا المتعلّقة بالشأن الإسلامي، وفيما يلي نص الحوار:
* تمثِّل المملكة العربية السعودية أنموذجاً متفرداً في تطبيق الشريعة، ونصرة التوحيد، إلا إنها مستهدفة من قبل تنظيمات وجماعات تدعي الإسلام، فما سبب ذلك؟ وما هو دور المتخصصين في دراسة هذه التنظيمات والجماعات في التحذير منها؟
- لقد حبا الله تعالى بلادنا بخاصية رعايتها للحرمين الشريفين وكونها قبلة المسلمين في أرجاء المعمورة كما تمتعت كذلك بكونها -كما ذكرتم- أنموذجاً متفرداً في تطبيق الشريعة الإسلامية على يد حكامها ودولتها المباركة، وحيث اجتمع في بلادنا -بحمدالله- هذه الأمور فقد استحقت أن تكون القائدة للعالم الإسلامي والحريصة على قضاياه والراعية لشؤونه بكل ما تستطيع مادياً ومعنوياً سياسياً واقتصادياً عبر تاريخها المشرف في خدمة الإسلام والمسلمين منذ عهد المؤسس جلالة الملك عبدالعزيز-رحمه الله وأحسن مثواه- إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين -وفقهما الله لكل خير-.
وهذه الجماعات والتنظيمات المتطرفة بشتى صورها ومسمياتها تحاول -عبثاً- منذ حقب متطاولة النيل من هذه الزعامة الدينية وإظهار نفسها وقادتها بمظهر الحريص على تطبيق تعاليم الإسلام وتصوراته ورعاية قضاياه وذلك لجذب الناس إليها وتحقيق مكاسبها السياسية والفكرية وفي كتابات وشعارات قادة جماعة الإخوان خير مثال على ذلك، فقد قامت هذه الجماعة وغيرها من جماعات التطرف بمحاولات استهداف هذه البلاد المباركة من خلال التشكيك في هذه الزعامة الدينية وأحقية المملكة العربية السعودية وحكامها بها، ومن هنا كان لزاماً على أهل العلم -وخصوصاً الأكاديميين في مجال دراسة هذه الجماعات المتطرفة- التحذير منها وتوعية الناس بها وتوضيح شرورها لأن هذه التنظيمات وأتباعها ودعاتها لا يحلون في بلد إلا وتتبعهم الفرقة والنزاعات بين أفراد هذا المجتمع وإثارة القلاقل فيه من خلال بث الشبهات والأقاويل الكاذبة إلى أن يصل الأمر إلى الخروج على أئمة المسلمين ومفارقة جماعتهم وإثارة الفتن والحروب والقلاقل في بلدانهم ومجتمعاتهم.
* وماذا عن الجهود العلمية للتصدي لمثل هذه الجماعات؟
- من الجهود المباركة لأهل العلم في هذا المجال البيان الذي أصدرته هيئة كبار العلماء في بلادنا -وفّقها الله- والذي تضمن التحذير من جماعة الإخوان المسلمين لكونها من أكثر الجماعات تأثيراً في العالم الإسلامي ومنها انبثقت كثير من جماعات الغلو والتكفير اليوم، وقد تضمن البيان الإشارة لخطورة منهجها وفساد أًصولها المخالفة للشرع في جوانب متعددة من أعظمها التحريض على الخروج على أئمة المسلمين وإيجاب البيعة لزعمائهم وتكفير بعض المجتمعات المسلمة إلى غير ذلك.
كما لا يفوتني أن أشيد بالجهود المهمة التي تبذل من قبل المتخصصين في أقسام العقيدة والدعوة في الجامعات السعودية في التحذير من هذه الجماعات والأحزاب المتطرفة من خلال تدريسهم للمقررات التعليمية الخاصة بالتحذير منها، ومشاركاتهم الفاعلة في الإعداد والإشراف على البحوث والرسائل العلمية التي ترد وتفنّد شبهات هذه التنظيمات، كذلك مشاركاتهم في المؤتمرات والندوات والوسائل الإعلامية المتنوِّعة لأجل التوعية والتحذير من خطورة هذه المناهج الضالة التي تسير عليها هذه التنظيمات والجماعات المتطرفة وبيان براءة الإسلام منها.
* انتشرت في الآونة الأخيرة في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بعض البدع التي تمس العقيدة بقصد وغير قصد، ترى ما مسؤولية المختصين في العقيدة الإسلامية لتصحيح الأخطاء والمفاهيم المغلوطة؟
- في الحقيقة هذه الوسائل الحديثة سهلت نقل المعلومة بشكل كبير لكن للأسف دون تمييز بين ما هو صحيح ومغلوط، ومن ذلك ما يتعلّق بالمسائل الدينية بشكل عام وأخطرها ما يتعلّق بأمور الاعتقاد، فقد أصبحت مثل هذه الوسائل منبراً أحياناً لتصدير بعض البدع والخرافات ونسبتها للدين وهذا مكمن الخطورة هنا، وإذا كان بعض الناس قد يتثبت في صحة ما تنقله هذه الوسائل فإن كثيراً من الناس لا يتحرّى في صحتها ناهيك عمّن يقوم بنشرها، بل ويحث الناس على ذلك.
إن ترويج هذه المعلومات المغلوطة التي قد تفسد عقائد الناس تجعل من الأهمية بمكان أن يشارك أهل التخصص في علم العقيدة بمثل وسائل التواصل هذه لنشر العلم الصحيح أولاً وتوعية الناس ثانياً من خطورة ما تحتويه بعض المعلومات الواردة فيها من أخطاء ومغالطات وبالتالي فساد المفاهيم والتصورات المترتبة عليها وأوضح مثال على ذلك ما يتعلق بباب «البدع» الذي قد تلتبس مسائله على بعض الناس فيقع في البدعة ولا يرجع عنها لأن صاحب البدعة يفعلها ظناً منه أنه على صواب وهدى بخلاف من يقع في المخالفة وهو على علم بذلك فيرجى له أن يرجع عنها، ولهذا قال بعض السلف: «البدعة أحب إلى إبليس من المعصية، المعصية يتاب منها والبدعة لا يتاب منها».
* كيف تنظرون لتفشي ما يُسمى بالإسلاموفوبيا؟
- ظاهرة الإسلاموفوبيا أو التخويف من الإسلام وبالتالي التحامل والتعصب ضده أمر ليس بالجديد، ومن وجهة نظري أن القضاء عليه كلياً أمر متعذر مثله مثل الغلو والتطرف لا يمكن اجتثاثه من العالم بالكلية لكن يمكن تحجيمه عن طريق معالجة أسبابه ووسائله والحد منها.
* وبرأيكم ما أهم الأمور التي تحد من ظاهرة التحامل ضد الإسلام ذلك؟
- لعل من أهم الأمور التي تحد من ظاهرة التحامل ضد الإسلام (الإسلاموفوبيا) في العالم اليوم هي نشر مبادئ الحوار والتعايش السلمي الدنيوي بين أصحاب الديانات، وتوضيح صورة الإسلام الحقيقية بعيداً عن بعض ممارسات الغلو والتطرف التي يقع فيها بعض المنتسبين له.
إن جزءاً من مشكلة الإسلاموفوبيا اليوم يتحمّلها بعض المؤسسات الدينية والمنتسبين لها وخصوصاً تلك التي توجد في البلاد غير الإسلامية فبحكم وجودها هناك وسهولة اتصالها بالمجتمعات الأخرى فهي قادرة على نقل الصورة الصحيحة للإسلام والتبرؤ من كل ما ينسب له من الممارسات غير الصحيحة وخصوصاً تلك التي تتعلّق بالتطرف والإرهاب.
* وكيف يمكن الإفادة من وسائل التقنية الحديثة لتصحيح المفاهيم المغلوطة؟
- بحكم تطور الاتصال التقني في عالم القرية الواحدة اليوم من الأهمية بمكان أن تستفيد المؤسسات الشرعية من هذه التقنيات في تقديم برامج حوارية ومؤتمرات فاعلة - بشكل دوري - مع أصحاب الديانات الأخرى وأصحاب الفكر والرأي في الشرق والغرب تعرض فيها مفاهيم التسامح الإسلامي الصحيح في التعامل مع الآخرين، وإظهار موقف الإسلام المناهض لمظاهر الغلو والتطرف وقضاياه في العالم اليوم، والسعي من خلال هذه المفاهمات والحوارات إلى تجريم الاعتداء على الأقليات الدينية المسلمة أو ازدراء المقدسات عبر الوسائل الإعلامية وحتى تكون هذه الجهود فاعلة من المهم أن تكون تحت مظلة رابطة العالم الإسلامي والتي تقوم بجهود مشكورة في هذا المجال.