خالد بن حمد المالك
منذ توِّلي ميشيل عون رئاسة لبنان، وتمكين صهره جبران باسيل من السيطرة على قرارات قصر بعبدا ولبنان يسير من سيء إلى الأسوأ؛ فلا حكومة في البلاد، حيث استعصى تشكيلها منذ عام تقريباً، بفعل الرفض العوني الممَّلى عليه من جبران باسيل وزير الخارجية الأسبق ورئيس الحزب الوطني الحر، حزب الرئيس عون نفسه.
* *
ويمكن أن يطلق على لبنان صفة الدولة الفاشلة منذ تولي الرئيس عون رئاسة البلاد؛ فمن تفجير مرفأ بيروت إلى تفشي البطالة، ومن استشراء الفساد إلى وصول سعر صرف الليرة اللبنانية إلى مستويات غير مسبوقة أمام الدولار، ومن اختفاء المواد الغذائية بالأسعار المعقولة إلى حصول المواطن بالكاد على الغاز والمازوت والبنزين، والقائمة تطول فيما لو تحدثنا عن انهيار الدولة، بينما لا نسمع سوى (جعجعة ولا نرى طحناً) في كلام ساسة البلاد ومسؤولي الأحزاب فيها.
* *
فعن أي دعم يتبناه الرئيس الفرنسي ماكرون ويتحدث عنه لإنقاذ لبنان في ظل هذه الحالة المأساوية التي يمر بها منذ زمن بعيد، والتي كبَّلت البلاد من القدرة على أي إصلاحات يدعو إليها الخيرون من اللبنانيين، وهل تشكيل الحكومة - إذا ما تم تشكيلها - كافٍ ومبرر لدعم سوف يذهب إلى جيوب النافذين الذين تحميهم أحزابهم على حساب قوت الشعب؟
* *
لقد أحسنت المملكة صنعًا حين ربطت تقديم مساعدتها بعدم تمكين الفاسدين في لبنان، وأنه لا دعم منها دون تحقيق هذا الشرط، مع التأكيد على تضامن المملكة مع الشعب اللبناني في أوقات الأزمات والتحديات التي يمرّ بها، وأن أي مساعدة سوف تقدمها للحكومة الحالية أو المستقبلية إنما تعتمد على قيامها بإصلاحات جادة وملموسة، مع ضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها، وتجنب الآليات التي تمكّن الفاسدين من السيطرة على مصير لبنان.
* *
لكن كيف للبنان أن ينعم بالإصلاحات التي تقود إلى ازدهار البلاد، وتمتع المواطنين بالحياة الكريمة، وهناك من يحكم بقوة السلاح قبضته في أي إصلاح قادم يفترض أن يتحقق في المستقبل المنظور، بل كيف يمكن للمواطن اللبناني أن يرى نور الإصلاح في نهاية النفق المظلم، بينما حزب الله نيابة عن إيران هو صاحب القرار في كل مفاصل الدولة مدعومًا من الرئيس عون وصهره جبران باسيل؟
* *
لقد قدمت المملكة على امتداد تاريخها وتاريخ لبنان من الدعم ما لم تقدمه دولة أخرى، ومكَّنت اللبنانيين والشركات اللبنانية من العمل والاستثمار في المملكة ما لم تجدوه من دولة أخرى، وكانت مساعداتها للبنان ماليًا وعينيًا وعسكريًا وسياسيًا، مع أنها لم تجد من بعض فئاته وأحزابه غير التآمر عليها، وإنكار جميلها، وتوظيف الإعلام اللبناني في النيل منها، وتهريب المخدرات والأسلحة للإضرار بأمنها واستقرارها، وحسنًا أن يكون دعم المملكة من الآن ومستقبلاً مشروطًا بتغيب الفساد عن المشهد اللبناني.
* *
إن رحلة لبنان القادمة لإصلاح ما أفسده بعض اللبنانيين يعتمد على إنهاء السلاح خارج سلطة الجيش والأمن، وتحرير رئيس لبنان في المستقبل من اعتماده على الأحزاب العسكرية لانتخابه واستمراره رئيسًا، ونفض لبنان لأي علاقة له بدول أجنبية - وتحديدًا إيران - طالما كان فيها ضرر عليه ومساس وتدخل في شؤونه الداخلية، وعلى أن يعود لبنان إلى حضنه العربي بعد أن غرَّد (مُكرَهًا) خارج سربه العربي بقوة السلاح الإيراني الذي يمتلكه ما يسميه بعض اللبنانيين حزب الشيطان، ويعني به حزب الله.
* *
ومن المؤكد أن المملكة لن تتخلى عن لبنان، ولكن بشروط هدفها خدمة الشعب اللبناني والدولة اللبنانية، وليس لها من مصالح في لبنان، وأن كل ما تقدمه هو من باب الأخوة، ورابطة العروبة بشعبه، والدين مع شريحة منه، والمصالح المشتركة التي تجمع بين شعبي الدولتين، وليس هناك من أهداف أو نوايا أو أجندة وسياسات لأي دعم قد تقدمه المملكة إلى لبنان متى ما استؤصلت بؤر الفساد، وتحررت الدولة اللبنانية من الكوارث التي تمر بها الآن بمباركة من الأحزاب والقيادات الفاسدة.