د. محمد بن صقر
إن القارئ والمتمعن في مفهوم الابتكار والأفكار يجد أن كثيراً من الابتكارات والأفكار قد غيرت مسار المجتمعات منذ القدم إلى وقتنا الحاضر ابتداءً من اختراع توماس إديسون المصباح الكهربائي المتوهج، مروراً بابتكار، واختراع ألكسندر غراهام بيل أول هاتف لتواصل البشرية، حتى وقتنا الراهن من ابتكارات متنوعة شملت السيارات ذاتية القيادية والطابعات ثلاثية الأبعاد إلى الكثير من الابتكارات المستندة على الجانب المعرفي والأفكار الخلاقة الطموحة التي ترغب في بناء مجتمعات منتجة مستدامة تكون أنموذجاً لكثير من دول العالم. ولعل أزمة كورنا وما صحبها من تبعات اقتصادية واجتماعية وبيئية أدت إلى دفع العديد من الحكومات حول العالم إلى إعادة النظر في بناء إستراتيجياتها وسياستها ابتداءً بتغيير سلوك المواطنين واتجاهاته لتأقلم مع الأسلوب والتعايش ضمن الظروف الجديدة في ظل كثير من التغيرات، وقد اختارت بعض الدول ومن ضمنها كوريا الجنوبية فرصةً للتغيير وطرح مبادراتها، وابتكاراتها النوعية حيث أطلقت مؤخراً مبادرة جديدة تحت مسمى «صفقة كوريا الجديدة» التي تعنى بتطوير قطاعين مهمين لمستقبل البلاد وهما القطاع الرقمي والقطاع البيئي. وركزت من خلال المبادرة على إعادة هيكلة الاقتصاد والمجتمع. فتعاملت مع الطلب المتزايد على الخدمات التي تتم بالكامل عبر المنصات الإلكترونية من دون الحاجة إلى الحضور الشخصي ضمن مشروع «الحكومة الذكية» الذي يقوم على تحديث الخدمات الحكومية من خلال تبني أحدث التقنيات، كالبلوك تشين وشبكات الجيل الخامس للاتصالات، وتطبيق «التوأمة الرقمية» للمساعدة في تخطيط وإدارة المدن. وكنتيجة لذلك أشارت دراسات حديثة في كوريا الجنوبية إلى زيادة حجم التجارة الإلكترونية من حوالي 23 % من إجمالي قيمة الاستهلاك في شهر يناير 2020 إلى متوسط شهري قارب 27 % بين فبراير ومايو في العام ذاته، هذه الأفكار والابتكارات والمبادرات لم تبن بشكل عشوائي أو بطرق غير تنظيمية وإنما احتاجت إلى إجراء تعديلات في البيئة التنظيمية والتشريعية وإعادة النظر في إطار العمل المؤسسي لدعم الابتكار وتشجيع مشاركة القطاع الخاص في المشاريع المطروحة. إذاً نجد أن دعم الابتكار لبناء السياسات ودعم متخذي القرار في كثير من المجالات يحتم علينا اتخاذ خطوات عملية تتجاوز بناء الإستراتيجيات والخطط إلى التنفيذ والمتابعة وقياس الأثر ومعرفة مستوى التوجه المجتمعي والتنيمي ابتداءً من بناء حاضنة ومختبرات للابتكارات والأفكار ضمن معايير ذات اتجاه تطويري عالمي وتكون مؤسسة مستقلة تتصل بجميع الوزارات والهيئات من خلال برنامج يحدد له منتجات ضمن إطار زمني حيث تكون هذه المنتجات أياً كان نوعها خدمياً أو صناعياً أو غيره.. ذا طابع عالمي يصنف بممارسة عالمية يتم عرضه كتجربة دولية ليكون أنموذجاً يحتذى به ضمن أفضل الممارسات العالمية, كذلك لابد أن تبني هذه المختبرات سياستها مع القطاعات على عدة معايير من ضمنها كما ذكر مؤسس شركة brand velocity، inc الاستشارية جاك بيرجستراند أن هناك وصفة للابتكار مكونة من ثلاثة أجزاء تسهم بشكل كبير في خلق بيئة لبناء الابتكار والمبادرات وهي أولاً: توقف عن فعل ما لا ينجح. ثانياً: ابن على نقاط قوتك بمعنى أنه لديك نقاط قوة حاول اكتشافها واستثمرها لصالحك. ثالثاً: قم بشيء جديد: لا تقم بشيء تقليدي وإنما قم بشيء مرتبط بالجانب الخيالي ومرتبط بعناصر قوتك.
هذه المعايير وغيرها وتستطيع هذه المختبرات أن تعمل عليها بالإضافة إلى احتضان الأفكار وتختبرها ضمن مختبراتها العملية المستندة على الابتكار لتصبح عالمية، فالمختبرات باعتقادي أصبحت ضرورة في مجتمع يمتلئ بالطموح.