فدوى بنت سعد البواردي
وصلني اليوم إيميل، على درجة عالية من الدقة والجودة والإبهار، من إحدى شركات التقنية الكبرى، والتي تتضمن تطبيقاتها تقنيات الخرائط والمواقع. والذي لفت نظري في هذا الإيميل التفصيلي هو ما تضمنه من تقرير شامل لجميع الأماكن التي قمت بزيارتها خلال شهر جولاي، بالرغم من أني لم أطلب هذا التقرير مسبقاً (الصورة التوضيحية مُرفقة).
كما تضمن التقرير عدد الكيلومترات وأيضاً عدد الساعات الإجمالية التي قُدت بها سيارتي، وتضمن كذلك أسماء المجمعات والمطاعم التجارية التي قمت بزيارتها خلال شهر جولاي (الصورة التوضيحية مُرفقة).
وليس هذا فحسب، بل سرد التقرير نسبة زياراتي حول العالم خلال عام 2021م، وقد كانت نسبة ضئيلة بالطبع، بعد تداعيات جائحة كوفيد-19. ولم يتوقف التقرير عند هذا الحد من المعلومات، بل وتعداها ليزيد نسبة انبهاري، ويعرض لي عدد الدول والمدن والأماكن التي قمت بزيارتها منذ بدأ التطبيق في متابعة خطوط سيري، وهو ما يُعرف بـ Your All Time Data (الصورة التوضيحية مُرفقة).
ثم وجدت في أسفل الإيميل طلب تقييم للتقرير من خلال ثلاثة وجوه، وهي وجه مبتسم ووجه حيادي ووجه منزعج، وكان يجب أن اختار أحد هذه الوجوه الثلاثة للتقييم...
وعندها احترت قليلاً... وجلست أفكر...
الوجه المبتسم هو أحد الخيارات المحتملة للانتقاء، ولا أستطيع تجاوزه، نظراً لدقة التقرير والذي ولا شك أنه استهلك وقتاً وجهداً وتدقيقاً كبيراً من مطوري التطبيق خلال جمع وعرض البيانات، وكذلك التصميم المُتقن للرسوم البيانية الواضحة والمُعبرة أثناء عرض هذه البيانات. فهذا التقرير وبلا شك متقن إلى أعلى درجة.
وأما بالنسبة للوجه الحيادي، فقد قررت استبعاده كخيار لأنه لا يعكس أي انطباع تجاه التقرير.
وجاء التفكير في الوجه المنزعج، وحينها تساءلت بدهشة «إذا كنت أنا التي شاركت الهاتف والتطبيقات الرقمية بجميع تلك المعلومات وبشكل يومي، فكيف لي أن أتذمر أو أعترض، حين تُعرض عليَّ..؟» وأيضاً.. وبلا شك، فإن حفظ الخصوصية هو مطلب أساسي للجميع، ولذلك فإن جميع التطبيقات، قبيل استخدامها، تتطلب الموافقة على «سياسة الخصوصية» التابعة لها، ومنها شروط مشاركة المعلومات، وما هي المعلومات التي يقوم التطبيق بجمعها، ولماذا يقوم بجمعها، وطرق الحفاظ على أمان المعلومات، وكذلك وجود الجملة التالية في إحدى تلك التطبيقات: «عند استخدام خدماتنا، فإنك تأتمننا على معلوماتك. نحن ندرك أن هذه مسئولية كبيرة ونعمل بجدية لحماية معلوماتك ونمنحك التحكم فيها».
إذن، فعند قبولي لسياسات تلك التطبيقات ومنحها حق الوجود واستخدامها من خلال هاتفي، فقد لا يحق لي إذن أن أتذمر أو أن اختار الوجه المنزعج للتقييم... أليس كذلك..؟ لا شك، أن هناك من يوافق وهناك من يعترض...
ولكن، يجب تذكر دائماً أن الاحتفاظ بالخصوصية في عصر التقنيات قد يكون شيئاً من المحال، بدءاً بالمعلومات التي يتم إدخالها واستخدامها من خلال تطبيقات المواقع والخرائط إلى المعلومات في منصات التواصل الاجتماعي أو برامج المحادثات النصية والصوتية والمرئية أو برامج تتبع حالات الإصابات لحماية المجتمع من الجائحة.. حتى في حال لم يلق ذلك القبول لدى البعض.
وأخيراً، وليس آخراً، كما قيل وسوف يظل يُقال مستقبلاً، فإن «البيانات هي النفط الجديد في العالم» وأصبح الاقتصاد الرقمي ذا كيانات اقتصادية تتطور وتتزايد أرباح شركاته بقدر ما تحصل وتستحوذ على بيانات جديدة. ولذلك، أصبحنا نجد أن الأسهم الأعلى قيمة اليوم في أسواق المال هي لشركات تقنية كبرى تتعامل في مجال البيانات، ومنها الشركات التي تسيطر على محركات البحث في شبكة الإنترنت، أو شركات تطبيقات ومنصات التواصل الاجتماعي، أو التسوق الرقمي، وبعضها شركات تعتمد على شراء وبيع والاستفادة القصوى من تلك البيانات لتحقيق أعلى الإيرادات.
** **
- خبيرة تقنية وتخطيط إستراتيجي