إعداد - صبار عابر العنزي:
اتسمت الحياة العسكرية للرئيس الباكستاني الأسبق ضياء الحق بالتميز والتفوّق، لما تضمنته من أحداث وإنجازات كبيرة، من كونه طالب بالكلية الحربية إلى بطل قومي ثم رئيساً للجمهورية, ويعتبر دوره في الحياة السياسية الباكستانية إحدى أكثر المسائل إثارة للجدل في بلده.
نرصد لكم اليوم بعضاً من المراحل المؤثّرة في حياته والتي سطَّرها التاريخ انطلاقاً من مقاطعة البنجاب وصولاً إلى حكم باكستان.
الرئيس البنجابي النجيب
ولد محمد ضياء الحق محمد أكرم في الثاني عشر من أغسطس 1924 في مقاطعة البنجاب، وتلقى تعليمه في مدينة دلهي عاصمة الهند، ثم تخرَّج في كلية «سانت ستيفن» العسكرية الإنجليزية ليعين بعد ذلك ضابطاً في الجيش البريطاني عام 1943م والتحق بعد مشاركته في الحرب العالمية الثانية بسلاح المدرعات في الجيش الملكي البريطاني.
خالف توقعات بوتو
تلقى تدريباً في كلية القادة والأركان بأمريكا لعامين من 1963 إلى 1964 ثم عيّن قائداً مركزياً لملتان في 1975م وفى حركة مفاجئة في أول أبريل 1976 قام رئيس وزراء باكستان ذو الفقار على بوتو بتعيينه رئيساً لأركان الجيش متجاوزاً خمسة جنرالات أقدم منه في الرتبة لأنه لم ير فيه ما يشكل تهديداً عليه، لكن ضياء خالف توقعات بوتو، فمع تأزم الأوضاع السياسية في باكستان بسبب النزاع بين بوتو وقيادة التحالف الوطني الباكستاني، حيث اغتنم ضياء الفرصة في 5 يوليو 1977م وقام بانقلاب أبيض وأطاح ببوتو وفرض الأحكام العرفية ووعد بإجراء انتخابات المجلس الوطني والإقليمي في غضون 90 يوماً وتسليم السلطة لممثلي الأمة، غير أنه لم يف بوعده وعاد في أكتوبر 1977 م معلناً تأجيل الانتخابات، ومع تقاعد فضل الإلهي تقلّد ضياء الحق منصب رئيس باكستان في 16 سبتمبر 1978م وفي غياب برلمان للبلاد قرر تشكيل مجلس الشورى في 1980 وعيّن معظم أعضائه فلم يعدو عن كونه مجلساً استشارياً لضياء.
قرر إجراء انتخابات وحرص على تأمين منصبه
وفى أواسط الثمانينيات قرَّر إجراء انتخابات قبل تسليمه السلطة لممثلي الشعب وحرص على تأمين منصبه وأجرى استفتاء في ديسمبر 1985م جاءت نتيجته لصالحه بنسبة 95 % وتم انتخابه رئيساً للبلاد للسنوات الخمس التالية، ثم أجرى انتخابات ورشح (محمد خان جونيجو) رئيساً للوزراء من بين أعضاء المجلس، حيث رأى فيه تابعاً مطيعاً، وقبل تسليم السلطة للحكومة الجديدة أجرى ضياء تعديلات محدودة في الدستور تمنحه صلاحيات وسلطات مطلقة وصدق عليها البرلمان.
ومع عام 1988م دبت الخلافات بين ضياء ورئيس وزرائه بسبب هذه الصلاحيات، وفي 29 مايو 1988م حل ضياء الحق المجلس الوطني وأقال رئيس الوزراء ووعد بإجراء انتخابات، ومع عودة بي نظير بوتو للبلاد أصبح موقفه السياسي حرجاً فأجل الانتخابات، لكن القدر لم يمهله ففيما كان في رحلة بصحبه نخبة من كبار العسكريين الباكستانيين والسفير الأمريكي تفجّرت الطائرة التي تقلهم في حادث قيل إنه مدبر من قبل أمريكا رغم مقتل سفيرها في الحادث.
آراء حول أجندته الدينية
هناك رأيان:
الأول: يعتبر ضياء الحق ما هو إلا ملتزم ديني حاول تنفيذ أجندته الدينية في المجتمع والجيش الباكستاني فحقق نجاحات كبيرة أو محدودة أو فشل مما زاد من نكبة هذا البلد وأغرقه في فوضى مضاعفة مما كانت فيه.
الثاني: يرى آخرون أن هذا الشخص كان براجماتيا وأنه استخدم الدين كوسيلة لتوطيد حكمه وكأداة لحشد التأييد ضد الغزو السوفيتي لباكستان استجابة لرغبة أمريكية ولاحتواء المد الديني المتنامي في المنطقة.
ولكل من الرأيين وجاهته في عرض ما يقول وينقل الدكتور محمد الشواف في مقال له في موقع المسلم بعنوان (عندما قابلت زينب الغزالي ضياء الحق) أنها أثناء زيارتها لباكستان قابلت الرئيس الباكستاني ضياء الحق وكان مقرراً للمقابلة حوالي عشرين دقيقة ولدى الرئيس مواعيد سابقة وبرنامج محدد ولعله لأول مرة ينسف كل المواعيد ويؤجلها ليستمع حديثاً عجباً من زينب الغزالي عن معاناة المسلمين في بعض الدول العربية وما تتعرض له المرأة المسلمة من السجن والتعذيب مما يندى له الجبين وضياء الحق يصغي إليها ويبكي ويستمر اللقاء ساعتين ونصف.
ويدافع أحمد موفق زيدان عن علاقة ضياء الحق بالأمريكان، حيث كان يكرر على مسامع من يلتقيه المثل الباكستاني المعروف «إن تعاملنا مع الأميركيين في أفغانستان كتاجر الفحم فهو لا ينال من تجارته إلاّ سواد الوجه واليدين».
وفي المقابل يرى برويز مشرَّف قائد الجيش الباكستاني ثم رئيس الجمهورية الأسبق أن ضياء الحق كان غير ملتزم دينياً وأنه كان يحب سماع الموسيقى الغربية.
انفصال أهل البنغال ببنجلاديش
وبعيداً عن النوايا نجد أن الحصيلة كانت بداية مشروع أسلمة الحياة السياسية والاقتصادية والتعليمية والقانونية في باكستان التي تغيَّرت وانتقلت لمرحلة جديدة من تاريخها وكانت الماكينة الدافعة لهذا التغيّر هو الجنرال ضياء الحق فهناك بالفعل نقلة إستراتيجية حدثت لهذه الدولة في حقبة هذا الرئيس فمن المعروف أن باكستان قد قامت بانفصال مسلمي الهند في دولة لهم أي أن الدولة قامت على أساس ديني ولكن بدلاً من أن تقاد هذه الدولة بشريعة الإسلام ومنهاجيته قادتها مناهج يغلب عليها الطابع الغربي العلماني، وهنا كانت المفارقة فأهل باكستان لم يكتفوا بأنهم كونهم مسلمين لكي تتحقق دولتهم التي يطمحون لها، بل لا بد من أن يسيروا على نهج الإسلام لكي تكتمل أركان تلك الدولة كثرت الاضطرابات وظهرت الأعراق والتنابذ بينها ووصلت إلى الاقتتال حتى كان انفصال أهل البنغال ببنجلاديش وظهر بعدها كل عرق سواء في البنجاب أو السند أو البلوش أو الباشتون أو المهاجرين في حالة تناحر وتتنافس واقتتال.
أيديولوجية تجمع الشتات
وكانت البلاد مرشحة لمزيد من الانقسام والتفتت وهنا حاول أن يؤسس للركيزة الثانية في بناء الدولة وهي أيديولوجية تجمع هذا الشتات ونجح إلى حد ما نظراً لأن هذا الأساس لم يكتمل لاعتبارات عديدة منها تغييرات في النظام التشريعي عبر عدة مستويات:
منها القانوني، حيث جرت تغييرات في النظام التشريعي وتم إنشاء محاكم شرعية للنظر في القضايا بموجب الشريعة الإسلامية فتم تطبيق بعض الحدود في قضايا السرقة والقتل والزنى كالجلد والرجم كما تم حظر شرب وبيع الخمر من المسلمين في باكستان وعلى عقوبة السجن من ستة أشهر أو غرامة واعتبر سب الصحابة والدين من الجرائم التي يعاقب عليها القانون، ومنها الخدمة المدنية حيث كان إلزامياً على الموظفين المدنيين تأدية الصلاة خمس مرات في اليوم.
وفي نظر الصحفي الباكستاني زاهد حسين فإن الجيش في الماضي كان يعتبر الضمانة الوحيدة لوحدة أراضي البلاد والأمن الداخلي لكن ضياء وسع دوره ليصبح المدافع عن حدود باكستان الأيديولوجية أيضاً ويفسر ذلك العودة للجذور الإسلامية.
كذلك كان تأثير الجهاد الأفغاني ودخول الجيش الباكستاني كداعم للمجاهدين بضغوط غربية أو دوافع الأخوة الإسلامية أثرا واضحا في تغلغل الفكرة الإسلامية داخل هذا الجيش الذي احتك ضباطه بهؤلاء المجاهدين الذين قدموا من مختلف أنحاء العالم الإسلامي لدعم إخوانهم في تلك المناطق.
ويرى حسين حقاني سفير باكستان الأسبق في الولايات المتحدة أن الأسلمة في الجيش الباكستاني لم تكن مجرد نتيجة غير مقصودة من القرارات التي اتخذتها بعض الحكومات مثل حكومة الجنرال محمد ضياء الحق فمنذ قيام باكستان وقادتها يلعبون على وتر المشاعر الدينية كأداة لتعزيز الهوية في باكستان واستخدام التشدد الإسلامي-على حد تعبيره في نظر هؤلاء القادة يساهم في بناء الأمة ويحول دون زعزعة الاستقرار السياسي الداخلي.
أخطر ما قام به الرئيس
ولكن أخطر ما قام به ضياء الحق هو اتخاذه قراراً بتخصيب اليورانيوم في البرنامج النووي الباكستاني منتهزاً فرصة حاجة الولايات المتحدة الأمريكية لباكستان في أفغانستان أثناء اجتياح الاتحاد السوفيتي السابق لها وكان هناك هدف إستراتيجي أمريكي يفوق غيره من الأهداف وهو احتواء الاتحاد السوفيتي وإسقاطه لتنفرد الولايات المتحدة بالنظام الدولي لتكون القوة الأولى على قمته، وسكتت الولايات المتحدة أو تغاضت عن وصول البرنامج النووي لغايته المرجوة ولكن فور إعلان الاتحاد السوفيتي انسحابه من أفغانستان بدأت العلاقات تتوتر تدريجيا بين ضياء الحق والولايات المتحدة.
لأن الإستراتيجية النووية للولايات المتحدة كانت تقضي بعدم امتلاك دولة إسلامية لسلاح نووي بينما كان السلاح النووي لباكستان مسألة وجود بعد تواتر الأنباء عن وصول البرنامج النووي الهندي لنهايته وبما أن الهند لم تتنازل عن حلمها الأساسي بضم باكستان مرة أخرى إلى الهند التاريخية، باتت مسألة حصول باكستان على السلاح النووي هي قضية تكون أو لا تكون وضغطت أمريكا اقتصادياً وسياسياً على ضياء الحق لدرجة تهديده بالقتل لكي يقوم بتفكيك برنامج النووي ويأبى الرجل لدرجة أنه كان يصطحب معه السفير الأمريكي في أي رحلة كان يقوم بها حماية لنفسه ويرى البعض أن الولايات المتحدة هي التي قتله ومعه السفير الأمريكي عندما وضعت له قنبلة بين ثمار المانجو والتي كان يحبها ضياء الحق ويأخذها معه في تجواله وانفجرت الطائرة التي كان يستقلها في إحدى رحلاته داخل باكستان بهذه القنبلة.
مقتله مع السفير الأمريكي
قتل ضياء الحق ومعه بعض قادته والسفير الأمريكي في باكستان ليسدل الستار عن نهاية لضابط من بين جنرالات أقوى جيوش العالم والتي تزخر بهم منطقتنا ويختلف الناس على دورهم وما يقدموه في سبيل نهضة هذه الأمة.
وتقول بعض الروايات حول قصة اغتياله أن واشنطن عرضت عليه شراء بعض الدبابات الأمريكية، وأحضرت بعضها إلى باكستان لرؤيتها ومعرفة مزاياها القتالية على الطبيعة.
وتحدد التاريخ الذي تم رصده بأعلاه موعدًا لاختبار هذه الدبابات، فخرج الرئيس الباكستاني وبعض قادة الجيش يرافقهم السفير الأمريكي في باكستان أرنولد رافيل والجنرال الأمريكي هربرت واسوم وكانت الرحلة في منتهى السرية وبعد معاينة الدبابات، انتقل الرئيس ومرافقوه إلى مطار بهاوالبور لينتقلوا منه إلى مطار راولبندى واستقلوا طائرة خاصة، وما إن أقلعت الطائرة، حتى سقطت محترقة بعدما انفجرت قنبلة بها وتناثرت أشلاء الجميع محترقة.