عادل علي جودة
أحييك قارئي الكريم، وأستأذنك في تحية مميزة للكاتب الجميل جبريل عايد الزيدانيين؛ صاحبُ كتابِ «بُصِيرَا.. ذاكرةُ الزمانِ والمكان». هذا الكتابُ الذي يشرفُني أنْ أقفَ في رحابِهِ مستشعرًا عبقَ الانتماءِ، وروحَ الوفاءِ، وألقَ العشقِ، للوطنِ، والوطنُ غالٍ وله علينا فضلٌ عظيمْ.
وقبلَ الشروعِ في تقديمِ قراءتي لكتابِ «بُصِيرَا.. ذاكرةُ الزمانِ والمكانِ» أوثقُ ههنا همسةً سريعةً بشأنِ فنِّ الكتابةِ، أقولُ فيها:
الكتابةُ ليست مجردَ حروفٍ تشكلُ كلمةً، ولا كلماتٍ تملأُ صفحةً، وليست مجردَ قلمٍ وورقةٍ، ولا لوحةَ مفاتيحٍ أدخلتِ الكلَّ منصاتِ التواصلِ الاجتماعي وألبسته عباءاتٍ ليست له؛ ففي فضاءِ الفيسبوك (مثلًا) باتَ الكلُّ سياسيًّا، ومفتيًا، وشاعرًا، وطبيبًا ومحاميًا و.. و.. إلخ.
إنما الكتابةُ همٌّ يرسلُ فكرةً، وفكرةٌ تصنعُ بصمةً، وبصمةٌ تحملُ رسالةً. الكتابةُ مَلَكٌ يخطَفُكَ من وقتِكْ، ومن أهلِكْ، ومن كلِّ شأنِكْ، والكتابةُ مَلَكٌ ذو سلطةٍ محببةٍ إلى نفسِكْ، يحبسُ إحساسَكَ ويأسِرُ أنفاسَكَ، ولا ينفكُّ عنكَ حتى يتبلورَ همُّكَ فكرةً خلَّاقةً أمامَ عينِكْ وعيونِ مَنْ حولِكْ. وإني لأرى كتابَ «بُصِيرَا.. ذاكرةُ الزمانِ والمكانِ» إنجازًا فكريَّا رائدًا لصاحبِ همٍّ ورسالةْ.
يقعُ كتابُ «بُصِيرَا.. ذاكرةُ الزمانِ والمكانِ» في مئةٍ وثمانٍ وخمسين صفحةً من الحجمِ المتوسط، وقد تميزَ غلافُه الأمامي بصورةٍ رأسيةٍ تبرزُ الوصفَ الذي تضمنَهُ الكتابُ عن موقعِ «بُصيرَا»، ويعلو الصورةَ عنوانُ الكتابِ الذي جاءَ عبارةً عن مبتدإٍ وخبر؛ أما المبتدأُ فاسمُ «بُصيرَا» الذي كُتبَ بخطٍّ لافتٍ عريضٍ، وأسفلَ منهُ جاءَ الخبرُ شبهَ جملةٍ وهو «ذاكرةُ الزمانِ والمكانِ»، بينما حملَ رأسُ الغلافِ شِعارَ وزارةِ الثقافةِ بوصفِها الناشرَ للكتابِ الصادرِ عام ألفينِ وتسعةَ عشر 2019م، وبينَ عُنوانِ الكتابِ وناشرِه جاءَ اسمُ المؤلفِ باللونِ الأزرق «جبريل عايد الزيدانيين». هذه نبذةٌ سريعةٌ عن الإطارِ الخارجيِّ الذي يُشَوِّقُ القارئَ لسبرِ صفحاتِ الكتابِ وسطورِه.
يشتملُ الكتابُ على جزأينْ؛ الجزءُ الأولُ وعنوانُهُ «الملامحُ العامةُ لمدينةِ بُصِيرَا» ويضمُّ ثلاثةَ فصول، والجزءُ الثاني وعنوانُهُ «حكايةُ بُصِيرَا.. من ذاكرةِ الزمانِ والمكانِ»، ويضمُّ ثمانيةَ فصول. وسأحاولُ في ورقتي هذه أن أقفَ معَ مقتطفاتٍ مما اشتملَ عليه الكتابُ.
والحقيقةُ أنني توقفتُ مطولًا إزاءَ الإهداءِ الذي ارتآهُ الكاتبُ متأملًا رحلةَ الوفاءِ التي بدتْ واضحةً جليّةً في كتابه، لقد ابتدأَ الكاتبُ إهداءَه بوالديه اللذين ربياهُ على سمةِ الوفاءِ؛ رحِمَهُمَا اللهُ وجميعَ موتى المسلمين، ثم برفيقةِ دربِه وأمِّ أولادِه التي شاركتْهُ هذه السمةَ العظيمةْ، ثم انتقلَ بإهدائِهِ إلى أبنائِهِ، وأحفادِهِ، وإخوانِهِ، وأبناءِ عشيرتِهْ، وكأنه يأْتَمِنُهُمْ على رسالةٍ تحملُ بذرةَ الوفاءِ لمدينةِ بُصِيرَا، ولمحافظةِ الطفيلةِ، وللأردنِّ بأكملِهِ؛ أرضًا، وتاريخًا، وحضارة.
ثم يواصلُ الكاتبُ إهداءَهُ فيرسلُهُ إلى جميع المهتمين بتاريخ بُصِيرَا، وكأني به يشيرُ إلى هؤلاءِ المهتمينَ بأن ما تضمنَهُ هذا الكتابُ عن بُصِيرَا يمثلُ النزرَ اليسيرَ، وأن عليهم مواصلةَ المسيرْ، وهذه لعَمْري إشارةٌ تستلزمُ الانتباهَ لها.
ومن ثَمَّ يجللُ الكاتبُ إِهداءَهُ بأنفاسِ الهمِّ الذي يَحْمِلُهُ على كَاهِلِهِ، فانتبهوا إخوتي إلى أينَ يتجهُ هذا الإهداءُ؛ يتجهُ إلى القابضينَ على...!! (تُرى القابضونَ على ماذا !!)، يقول الكاتبُ:
إلى القابضينَ على يد الْمِنْجَلِ مُداعبينَ قطراتِ الندى؛ يا له من تعبيرٍ أدبيٍّ عميق، ثمَّ إلى القابضينَ على الطَّبْشورِ الأبيضَ يرسمونَ اللوحاتِ في صروحِ العلمِ والمعرفة؛ يا لروعتِك يا جبريلْ،
ثمَّ إلى القابضينَ على أقلامِ الحق؛ وفي هذا تأكيدٌ على مكانةِ القلمِ ودورِهِ في النهوضِ بالمجتمع،
ثمَّ إلى القابضينَ على الزنادِ يحمونَ الوطنْ؛ وهنا يطيبُ لي أن أسجلَ التحيةَ عاليةً وأقفَ احترامًا للبواسلِ المرابطينَ على الثغور. على هذا النحوِ من البهاءِ والكمالِ جاءَ إهداءُ الكاتبْ؛ وإني لأعظمُ له التحية.
ثم ينطلقُ الكاتبُ نحوَ الشروعِ في مضامين الكتاب، فيضعُ مقدمةً سريعةً تحت عنوان: «بلدتي بُصِيرَا»، لاحظوا معي أنه لم يقل (بلدة بصيرا) وفي هذا تَجَلٍّ لحجمِ الانتماءِ الساكنِ في وجدانِ الكاتب، قال: (بلدتي)؛ أي أنه يضعُ نفسَه بين البلدةِ واسمِها، وبتفاخرٍ يليقْ يقدمُ الكاتبُ تعريفَهُ لبلدتِه ويُضَمِّنُهُ معالمَ الجمالِ الذي يفوحُ من روحِ ولائِهِ، فيقول: «تتربعُ على ربوةٍ عاليةٍ تحيطُ بها الأوديةُ السحيقةُ من جهاتِها الثلاثْ لتشكلَ مِنْطِقَةً استراتيجيةً ذاتَ مدخلٍ ومخرجٍ واحدٍ مُتصلٍ معَ المناطقِ المجاورةِ لها من الجهةِ الجنوبيةِ فقط»، ثم يضعُ الكاتبُ فلسفتَه في تفسيرِهِ لموقعِ بلدتِهِ بأنَّهُ (عصيٌّ على الاختراق) أي يتوافقُ معَ ما يعنيهِ اسمُ بُصِيرَا. هكذا أرادَ الكاتبُ أن يأخذَ فكرَ القارئِ إلى الترجمةِ الإيجابيةِ التي يبتغيها، وهذا يشيرُ إلى معالمِ العشق لبلدتِهِ بُصِيرَا، وقد نجحَ حقيقةً في إبعادِ أيِّ تفسيرٍ آخرَ عن ذهنِ القارئ، أي أنه أبعدَ عن القارئِ مثلًا أن بُصِيرَا تقعُ في بقعةٍ محاطةٍ بالأوديةِ وليس لها سوى بوابةٍ واحدةٍ تُطِلُّ من خلالِها على مَنْ حولها؛ أي أنها معزولةٌ ومحاصرةْ، وهنالك بونٌ شاسعٌ بينَ التعريفين، وهذا يُحسَبُ للكاتبِ ويشارُ إليهِ بعينِ الإعجابْ. ثمَّ يختمُ مقدمتَهُ بالغرضِ المرادِ من هذا الكتابْ مشيرًا إلى أنهُ يسردُ تفاصيلَ حياةِ القدماءِ الأوفياءْ، ويروي للأبناءِ والأحفادِ قصصَ الآباءِ والأجدادِ بلغةٍ سهلةٍ وأسلوبٍ بسيطٍ ليستذكروا حكاياتِ الماضي.
ثمَّ يُرافقُ الكاتبُ قارئَهُ إلى الجزءِ الأولِ من كتابِهِ وعنوانُه: «الملامحُ العامةُ لمدينةِ بُصِيرَا» ويضمُّ ثلاثةَ فصولْ؛ الفصلُ الأولُ وعُنوانُهُ «بُصِيرَا حاضرةُ الزمانِ والمكانِ» ويخوضُ في تفاصيلَ بُصِيرَا؛ اسمُها، وموقعُها، وحدودُها، وتقسيماتُها الإدارية، ومناخُها، وسكانُها. والفصلُ الثاني وعُنوانُهُ «كنوزُ لِواءِ بُصِيرَا» وفيه يتطرقُ الكاتبُ إلى ثرواتِها الطبيعية، وآثارِها التاريخيةِ مشيرًا إلى البلدةِ القديمةِ التي اكتشفَتْها الباحثةُ الإنجليزيةْ «كريستنال بِنِتْ» في بدايةِ السبعينياتْ وهي عبارةٌ عن بيوتٍ وأسواقٍ مطمورةٍ تحتَ الترابِ في شمالِ البلدةِ التي كانت عاصمةً لمملكةِ آدوم. ويتطرقُ الكاتبُ كذلكَ إلى أهمِ القلاعِ مشيرًا إلى الأسوارِ الحجريةِ الثلاثةِ التي تحيطُ بالبلدةِ من جميعِ الجهات. والفصلُ الثالثُ وعُنوانُه «الحضاراتُ والفتوحاتُ التي مرت على بُصِيرَا»، وهنا تحدثَ الكاتبُ مطولًا عن حضارةِ مملكةِ آدوم. ثم انتقل للحديثِ عن عصرِ الفتوحاتِ الإسلاميةِ التي شكلتْ منعطفًا مهمًّا في تاريِخ بُصِيرَا، ثمَّ يذهبُ الكاتبُ إلى الآثارِ الإسلاميةِ في بُصِيرَا ومن أهمِّها على الإطلاقِ مَقَامُ الصحابيِّ الجليلْ الحارثِ بنِ عُمَيْرٍ الأزْدِيّ؛ وهو رسولُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، إذ تقولُ الرواياتُ أنَّ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمْ - في السنةِ السادسةِ للهجرةْ - بَعَثَ معهُ خطابًا إلى عظيمِ بُصْرَى من أجلِ دعوتِهِ للإسلامْ، لكنَّهُ عندما اقتربَ من مِنْطِقَةِ مؤتةْ تعرّضَ له شُرَحْبيلُ بنُ عمرو الغسّاني؛ عظيمُ بُصْرَى وضربَ عُنُقَهُ، فاشتدَّ ذلك على رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ، فجهزَ جيشًا مؤلفًا من ثلاثةِ آلافِ مقاتلٍ تحتَ إمرةِ زيدِ بنِ حارثة، فإنِ استُشْهدَ فعبدُاللهِ بنُ رَوَاحَة، فإنِ استُشْهِدَ فجعفرُ بنُ أبي طالب، فإنِ استُشْهِدَ الأخيرُ فيَختارُ المسلمونَ قائدًا لهم، وبالفعلِ استُشْهِدَ الثلاثةُ رضوانُ اللهِ عليهم، فاختارُ المسلمون خالدَ بنَ الوليد، فكانَ النصرُ حليفَهم رغمَ قلةِ عددِهم مقارنةً بالروم.
وفي الجزءِ الثاني من الكتابِ وعُنوانُهُ «حكايةُ بُصِيرَا من ذاكرةِ الزمانِ والمكان»، وفيهِ يتناولُ الكاتبُ العشائرَ وعاداتِهم وتقاليدَهم في المدةِ من بدايةِ العشرينياتِ إلى بدايةِ الثمانينياتِ من القرنِ الماضي التي تميزتْ بالبساطةِ، والاكتفاءِ الذاتي، والتكافلِ الاجتماعي، وذلكَ وفقًا لما سمعَهُ الكاتبُ من كبارِ السنِّ من أهلِ البلدة. وفي هذا الجزءِ يواصلُ الكاتبُ تَسَلْسُلَ فصولِ الكتابِ على النحو الآتي:
الفصلُ الرابعُ وعُنوانُهُ «بُصِيرَا والفصولُ الأربعة»، يتناولُ فيه الكاتبُ فصولَ السنةِ؛ مستهلًا بفصلِ الربيعِ بأنهُ يعني التحررَ من بردِ الشتاءِ، والخروجَ إلى المناطقِ الجبليةِ العاليةِ المحيطةِ بهم لرِعي الحلالِ في المناطقِ الغنيةِ بالماءِ والعشب، وهذه مَهَمَّةُ الرجال. ويُحسَبُ للكاتبِ أنه تحت عنوان «يومٌ ربيعي» تطرقَ لأدقِ تفاصيلِ الحياةِ اليوميةِ بدءًا من الصباحِ الباكرِ حيثُ تذهبُ النِّسوةُ إلى الْمَرَاحْ؛ أي مكانُ مَبيتِ الغنمِ والدوابِّ، لحلبِ المواشي، وانتهاءً بحلبِ المواشي مرةً أخرى في آخرِ النهار، مرورًا بأحداثِ اليومِ العامرةِ بالحركةِ الدؤوبةِ للنِّسوةِ كما للرجالِ كلٌّ في مجالِ اختصاصِه، وكذلكَ تحدثَ الكاتبُ مطولًا عن فصلِ الصيفِ وعن الحصادِ للعديدِ من المزروعاتِ سيما محاصيلُ العدسِ والقمحِ والشعير.
أعلمُ أنني أخذتُ الكثيرَ من الوقتْ، وأدركُ تمامًا أن الإلمامَ بكلِّ ما اشتملَ عليه هذا الكتابُ القيمُ لا تكفيهِ السطور، بلْ يحتاجُ إلى صفحاتْ، فهناك فصولٌ أخرى كثيرةٌ وكلُّها تستلزمُ الوقفاتِ اللائقةَ بها؛ هنالكَ «بُصِيرَا في سطور الماضي»، و»العاداتُ والتقاليدْ»، و»المواصلاتْ»، و»بُصِيرَا والإسلامْ»، و»أمراضٌ فتاكةٌ والخدماتُ الصحية»، و»التعليمُ في بُصِيرَا» ... إلخ.
ولا أودُّ أن أبلغَ المساحةَ المتاحةَ للنشرِ قبلَ أن أستثمرَ بعضَهَا في الوقوفِ معَ عُنوانٍ دغدغَ مشاعري فاشرأبَّ له كَياني، وأطلبُ (راجيًا) أن تأذن لي بالقفزِ إلى الصفحةِ التسعين، ففيها هذا العُنوانُ الذي جاءَ في إطارِ الفصلِ الأطولِ في هذا الكتاب؛ إذِ احتلَّ أربعينَ صفحةً؛ منَ الصفحةِ (63) إلى الصفحةِ (102)، وهو الفصلُ الخامسُ وعُنوانُهُ «بُصِيرَا في سطورِ الماضي»، ويتناولُ هذا الفصلُ عددًا من العناوينِ العريضةِ، منها: «الملامحُ العامةُ في بُصِيرَا بين الثلاثينياتِ والثمانينياتِ منَ القرنِ الماضي»، و»عشائرُ بُصِيرَا»، و»بيتُ الشَّعَرِ.. بيتُ العز»، و»طعامٌ صحيٌّ دونَ إضافات»، و»القهوةُ العربيةُ ومدلولاتُها»، و»إكرامُ الضيف»، و»الشاويشُ خنيفس»، ثمَّ الموضوعُ الذي سأتوقفُ معكم في رحابِهِ قبلَ أن أختمَ، وعُنوانُهُ «بُصِيرَا وعلاقَتُها بفِلَسْطِين» والحديثُ هنا عن المدةِ التي سبقت النكبة؛ أي قبلَ عام 1948م، وأقتبسُ بشيءٍ من التصرفِ المعاني الكبيرةَ التي حمَلَنا إليها الكاتبُ الكريمْ، الذي يقول:
«كان أهلُ بُصِيرَا بخاصةٍ، والأردنُّ بعامةٍ، يذهبونَ إلى فِلَسْطِينَ بشكلٍ طبيعي؛ حيثُ لا حدودَ ولا جوازات، وكانت الرحلةُ سيراً على الأقدامِ أو على الدوابِّ، وتستغرقُ يومًا وليلةً للوصولِ إلى الخليل، حيث كانَ المسيرُ من بُصِيرَا إلى مدينةِ الخليلِ عبرَ وادي الضَّحْلِ، مرورًا بوادي عَرَبة، ومن ثمَّ إلى جبالِ الخليلِ الشرقية، وبعد الوصولِ إلى الخليلِ يذهبون إلى القدس، ويافا، وحيفا، وبئر السبع، وغزة، وباقي مَناطقِ فِلَسْطِين، بقصدِ العملِ لكسبِ لقمةِ العيشِ، وكانتِ الأجرةُ اليوميةُ وقتئذٍ قرشين.
وكانوا يذهبون إلى فِلَسْطِين بشكلٍ جماعي للعملِ والتجارةِ وبيعِ المواشي والدواب، وإحضارِ القُمَاشِ والسّكرِ والشّاي والأَرُزِّ والفواكه، حيثُ كانَ شُوالُ البرتقالِ الواحدِ بقرشٍ واحدٍ فقط. وفي رحلةِ العودةِ يُحضرون معهم من فِلَسْطِينَ أشجارَ البرتقالِ والخشخاشِ والليمون، ويزرعونَها في قرقور لأنها مِنْطَقَةٌ دافئة.
وبالرغمِ من أن تلكَ الرحلاتِ لم تَكُنْ آمنةً في بعضِ الأحيانِ بسببِ قُطَّاعِ الطرقِ، والحيواناتِ المفترسةِ، والسيولِ والأمطارِ، وبعضِ الطرقِ الوعِرَة، إلا أنها لم تتوقفْ إلا بعد النكبة».
هنا ينتهي الاقتباسُ، وهنا أهتفُ بكلِّ جوارحي بتحيةٍ تليقُ بالكاتبِ الوفيّ الأستاذ/ جبريل، وأشيرُ في عُجالةٍ إلى مكانةِ فِلَسْطِينَ الوافيةِ بقدسيتِها، والوارفةِ بخيراتِها، والعاليةِ بأهلِها وبالوافدينَ إليها لكسبِ أرزاقِهم من مختلفِ بقاعِ الأرضْ؛ فهكذا كانت.. وهكذا بحولِ اللهِ ستعود.
وأختمُ هنا بأنني اقتنيتُ كتابًا قيمًا مستوفيًا أساسياتِ الكتابةِ، ومُدَعَّمًا بالصور الدالّة، وموثَّقًا بالمراجع ِوالمصادرِ المختلفة، ومشتملًا على معانٍ تفسيريةٍ للكثيرِ منَ المفرداتِ السائدةِ في بُصِيرَا والدارجةِ ضمنَ اللهجةِ المحليةِ لأهالي القرية، والحقيقةُ أنه كفاني مشقةَ البحثِ عن معاني تلك المفردات، وزاخرًا بما احتواهُ من معلوماتٍ تاريخيةٍ أراها تمثلُ إضافةً ثريةً للمكتبةِ العربيةِ وللباحثينَ ولطلبةِ العلم.
وهنا أجددُ التحيةَ مجللةً بأعذبِ التهاني للأستاذ جبريل - الذي يرقد على السرير الأبيض - بكتابِهِ «بُصِيرَا.. ذاكرةُ الزمانِ والمكانْ»، سائلًا اللهَ سبحانه وتعالى له الشفاءَ العاجلَ التامَّ الذي لا يغادرُ سقمًا.
سبحانك اللهمَّ وبحمدِك، أشهدُ أن لا إله إلا أنتْ، أستغفرُك وأتوبُ إليك.
** **
- عضو اتحاد الكتاب والأدباء الأردنيين