زكية إبراهيم الحجي
قضية المسنين من القضايا الإنسانية والاجتماعية متعدِّدة الجوانب والأبعاد وقد فرضت نفسها على جميع المجتمعات على اختلاف درجة تقدمها ورقيها.. هي قضية تزداد أهميتها مع مرور الزمن وتقدم الحضارة الإنسانية.. إذ إن مرحلة التغيّرات والمنعطفات الحادة التي يمر بها المسن هي من أكثر المراحل صعوبة بالنسبة له وللمحيطين حوله وتتطلب الكثير من الرعاية والاهتمام والتواجد الدائم معه كي يعيش في نفس أجواء المحيط الذي كان يعيشه سابقاً وكي لا يشعر بالعزلة الاجتماعية والعائلية التي هي أكبر وأثقل مصدر للمعاناة في حياته.
في ظل ما تشهده غالبية المجتمعات المعاصرة من تغيّرات ثقافية واقتصادية وسباقٍ مادي لتحسين الأوضاع المعيشية وظروف عمل أفراد الأسرة وخروج المرأة للعمل أدى ذلك كله إلى تقلّص الدور التقليدي للأسرة في رعاية المسن وتوفير الرعاية الطبيعية المتكاملة له وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي الذي يمكّنه من تفادي أي تغيّرات تحدث له خلال هذه المرحلة من مراحل حياته.. إذ ليس ما هو أشد وقعاً على نفس المسن أكثر من أن يشعر بأنه أصبح عاجزاً عن القيام بأي عمل أو أن إسهاماته ومشاركاته مع أفراد أسرته هي نوع من عبثية غير مجدية.. وفي ضوء تلك التحولات العميقة والمنعطفات الحادة المصاحبة لمرحلة الشيخوخة وما يلازم ذلك من مشاكل اجتماعية ومصاعب نفسية ناتجة عن تقدم العمر كفقدان المكانة الاجتماعية التي كان يتمتع بها وفقدان غالبية أصدقاء العمر وبالتالي سوء التوافق مع تغيّرات ومتطلبات ظروف هذه المرحلة العمرية تبرز عند المسن حالات العزلة ومشاعر الوحدة والاغتراب والانسحاب من المحيط الاجتماعي السؤال: إذا كانت مشاعر الوحدة والاغتراب عن المحيط الاجتماعي منعطفاً حاداً في حياة المسن ما هي إذن اتجاهات رعاية كبار السن في خضم المتغيِّرات الاجتماعية والتحوّلات الجذرية المتلاحقة التي تشهدها الحياة المعاصرة في مختلف المجالات وعلى أكثر من صعيد وهل يمكن لصورة حميمية رائعة من التكافل الاجتماعي والمكانة السامية الكريمة التي احتلها كبار السن في ذلك الزمن الطيب الجميل أن تُبقي على جمالها وتصمد في وجه المتغيِّرات والتحوّلات العميقة التي تهز نسيج العلاقات الأسرية وتمس أفراد بعض الأسر أو المجتمع بشكل عام وتعكس اتجاهات سلبية يشوبها قدرٌ من عدم المبالاة بفئة من أعز وأنبل فئات المجتمع
لا شك أن تغيّر الأدوار الأسرية وتغيّر طبيعة العلاقات بين الأجيال إلى جانب تغيّر الظروف الحياتية للمجتمعات وتقلّص دور الأسرة في تقديم الرعاية الكافية لأقاربهم المسنين من أبرز العوامل التي أثَّرتْ كثيراً على شبكة الأمن الاجتماعي للمسن ونظرته لمجتمعه الذي كان يوماً ما عضواً فاعلاً فيه.. فرفقاً بهم فإنهم يعيشون في زمن غير زمانهم.