أ.د.عثمان بن صالح العامر
قضية القضايا الاجتماعية في عالمنا المعاصر (الخلع والطلاق) الذي ينتج عنه طبعاً التفكك الأسري والانهيار القيمي، ومع أن هذا الموضوع كثيراً ما طُرح ونوقش وبحث إلا أن الأرقام والمؤشرات تبرهن على أن كل هذا الجهد النظري لم ينتج عنه تغير حقيقي في الواقع العملي. ولعل قضية مقتل العروس (روان الغامدي) -رحمها الله رحمة واسعة، وأسكنها فسيح جناته، ورزق أهلها وذويها الصبر والسلوان- على يد زوجها، بعد أسبوع من زفافها، وتشويه جثتها، نتيجة إدمان الزوج المخدرات، تلك الجريمة البشعة التي وقعت الأسبوع الماضي، فتصدرت مواقع التواصل الاجتماعي وما زالت هي حديث المجتمع بجميع أطيافه وكل طبقاته- لعل هذه الحادثة المؤلمة توجب على الباحثين، ومتخذي القرار، إعادة قراءة الأرقام التي تصدرها وزارة العدل بخصوص عدد حالات الطلاق في المجتمع، وبحث الأسباب الحقيقية الكامنة خلف تعاظم هذه الأرقام وازديادها بكل تجرد وموضوعية وإخلاص، مع التركيز على محورية العدل في نسبة السبب للزوج أو الزوجة أو كليهما معاً. فإدمان الزوج للمخدرات -في نظري- سبب مباشر في وقوع الانفصال والترك، سواء أكان انفصالاً تاماً بين الطرفين أو هو انفصال شعوري وعدم توافق عاطفي وربما نتج عنه تباعد جسدي مع بقائهما تحت سقف واحد.
ومن بين الاقتراحات التي ساقها البعض وأيدهم عليها الآخرون في ثنايا الحوار حول مقتل روان -رحمها الله- ضرورة إضافة وثيقة فحص تحليل الإدمان لإثبات عدم تعاطي أحد الزوجين للمخدرات، وكذلك شهادة فحص تؤكد سلامة الزوجين من أي أمراض أو اعتلالات نفسية وعقلية.
سبب سوق هذا الاقتراح ووضعه على طاولة معالي وزير الصحة وبين يدي وزير العدل، أن هناك حالات موجودة -لا أستطيع أن أجزم بكثرتها أو قلتها لأنني لا أملك دراسات علمية في هذا الموضوع- من وقوعات الخلع والفسخ والطلاق في مجتمعنا المحلية سببها المباشر إدمان وتعاطي المخدرات من الزوج، أو مرض أحد الزوجين العقلي والنفسي، وربما تعرضت الزوجة والأولاد للأذى الجسدي والنفسي جراء بقاء هذه الأسرة في ظل قوامة رجل فاقد الأهلية لزوال عقله نتيجة تعاطيه المستمر لأي نوع من أنواع المخدرات لا سمح الله.
ومن المآخذ على مجتمعنا الذكوري أنه غالباً ما كان يردد المثل الشعبي المعروف (الرجال ما يعيبه إلا جيبه) ولذا فهم يستهجنون المرأة التي تسعى لتخليص نفسها من واقعها المؤلم مع زوج مدمن، بأي صورة من صور الخلاص سابقة الذكر، خاصة حين يصبح لها جيب كما الرجل بل ربما كان ما في جيبها أكثر مما عند زوجها.
ليس في هذا دعوة للتمرد على الرجال الذين منحهم الله القوامة، ولكنه مطلب رئيس للذكر أن يكون رجلاً، وتكون من الرعاية الحقيقية لأسرته والمحافظة عليها، كما أن في هذا التأكيد على إجراء هذين الفحصين قبل دخول الحياة الزوجية حتى تتأسس الأسرة على أساس قوي خالي من التدليس والخداع والتزوير، ومن ثم تختفي أو على الأقل تقل القضايا التي تستقبلها محاكم الأحوال الشخصية وتنعم الأسر بوجود الأب القدوة، ولا يجد مروجو المخدرات والمسكرات لهم سوقاً رائجة خاصة في أوساط الشباب حديثي العهد بالحياة الزوجية.
أعتقد من وجهة نظر شخصية أن الموضوع يستحق الالتفاتة الحقيقية له، وإعطائه الاهتمام الذي يجب، فكم من الفتيات تعيش في سجن داخل بيتها، وتتجرع العذاب مع زوجها ولا تستطيع كشف أسرارها خشية الإيذاء من هذا المدمن، وليس لها إلا أن تطلب الخلع أو الطلاق، وربما كان من أهلها الممانعة والرفض لعدم معرفتهم بحجم المعاناة، ولذا فالفحص الخطوة الأولى في المسار الصحيح لحياة زوجية سعيدة، حفظ الله أولادنا الذكور والإناث ووقانا وإياهم شر المخدرات والمسكرات وإلى لقاء والسلام.