مها محمد الشريف
لم يعد في عالم اليوم خيارات لمعالجة الوضع المناخي الدولي إلا الاتجاه للحلول المستدامة والالتزام بها بعد أن أسفرت الحرائق عن مقتل عدد من السكان في دول عدة، واحتراق آلاف الهكتارات من الأحراش والغابات في هذه الدول بين الفينة والأخرى، ولكن علينا العودة إلى ملف التغير المناخي وتأثيره المدمر على الأرض وهو ما زال ينتظر الحلول الجذرية، وفي هذه الحالة فإن الأرض تشهد حالة كارثية مدمرة متمثلة في الحرائق، التي تلف الأرض من شرقها إلى غربها التي تستعر فيها الحرائق بداية من آسيا وأوروبا وأفريقيا وأميركا الشمالية إلى أميركا الجنوبية، وتمتد الحرائق من سيبيريا شرقًا إلى بوليفيا وولاية كاليفورنيا الأميركية، مرورًا بالجزائر وتونس في شمال أفريقيا، واليونان في أوروبا.
وما رافق هذه الكوارث من خسائر مادية باهظة لم يتم حصرها حتى الآن. إن هذا كله ينادي بأن آثار التغير المناخي بات واقعًا يجب التعامل معه، فقد بلغ الاحتباس الحراري للأرض نحو درجة مئوية واحدة فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية. فكل نصف درجة (أو حتى أقل من ذلك) من الاحتباس الحراري للأرض لها أهميتها. ومن الأهمية بمكان أن نضع في حسباننا أنه لا توجد قائمةٌ واحدةٌ بآثار التغير المناخي يمكن أن تكون شاملة. فمن المرجح جدًّا أن موجات ارتفاع الحرارة سوف تحصل على نحوٍ أكثر تكرّرًا وستستمر لفتره أطول، وتصبح وقائع هَطْلِ الأمطار الغزيرة أكثر شدةً وتواترًا في الكثير من الأنحاء. كما ستظل المحيطات تزداد حرارةً وتَتَحمّض، وسيستمر مستوى البحر العالمي الوسطي بالارتفاع. وكل هذا سيكون له تأثيرٌ مدمّرٌ على حياه البشر.
وبالرغم من هذا كله، فإننا ما زلنا نؤمن بقدرات الإنسان لأنه يفكر وفق الرغبات ويخطط كما تريد الحياة منه كما هي الحال منذ بدء الخليقة، وهنا تجدر الإشارة إلى إعلان ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، عن عزم المملكة على القيام «قريبًا» بإطلاق مبادرتي «السعودية الخضراء» و«الشرق الأوسط الأخضر»، لمواجهة أزمة التغير المناخي، وأنه سيتم الإعلان عن تفاصيل المبادرة الأولى خلال الأشهر القليلة المقبلة والتي تهدف لزراعة عشرة مليارات شجرة بالشرق الأوسط منها مليار شجرة بالسعودية، حيث يجري العمل على إطلاق تجمع إقليمي بحضور شركاء دوليين للمبادرة حسب وكالة الأنباء السعودية الرسمية.
وأضاف ولي العهد السعودي: «بصفتنا منتجًا عالميًا رائدًا للنفط ندرك تمامًا نصيبنا من المسؤولية في دفع عجلة مكافحة أزمة المناخ، وأنه مثل ما تمثل دورنا الريادي في استقرار أسواق الطاقة خلال عصر النفط والغاز، فإننا سنعمل لقيادة الحقبة الخضراء القادمة».
لقد أسرفت الدول الصناعية الكبرى في انتهاك البيئة وتتحمل المسؤولية في الواقع المناخي اليوم، ورغم أنها تحاول التنصل من ذلك واتخاذ توجهات تحمل دول العالم فاتورة معالجة المناخ وتبرئة ساحتها لتحافظ على مكاسبها الاقتصادية ولكن آن الأوان لأن ينفذ تقرير «الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ» ويحدد موعدًا نهائيًّا واضحًا لتجنب الكارثة: إذْ يجب بحلول عام 2030 خفض انبعاثات غازات الدفيئة بمقدار النصف من مستوياتها لعام 2010 حتى نتجنب الوصول إلى درجة ونصف مئوية، فتغير المناخ يعتبر تقريرًا أمميًا يدق ناقوس الخطر ويحذر من تسارع ارتفاع درجات الحرارة.
لذا يجب على الحكومات اتخاذ خطوات فوريّة الآن لتغيير مسار الأحداث. فكلما طالت المدة التي سنتخذها لفعل ذلك، زادَ الاعتماد على التقنيات المكلفة التي قد تكون لها آثارٌ ضارةٌ على حقوق الإنسان من جميع النواحي، مع عواقب وخيمة على الناس وكل المنظومات الطبيعية التي تساعدنا على البقاء أحياء. وتأسيساً على ذلك، فإن اشتعال الحرائق في الغابات في عدد من البلدان تكاد تفقد السيطرة عليها، فالمستقبل بات مروعًا ما لم نجد وسيلة ناجعة لمواجهة أزمة التغيير المناخي.