م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1. كلما صدرت الإحصاءات والاستفتاءات السنوية عن أغنى البشر أو أكثرهم تأثيراً.. ضج البعض وقال: ما هذا التفاخر؟! ثم رددوا أمثالهم الشعبية التي تصب في المثل المصري العتيد: (داري على شمعتك تقيد).. أي تواضع وسر في الحياة «جنب الحيط».. فأنت في نفق الحياة الطويل.. وتيارات الهواء في النفق ربما تكون هادئة كثيراً إلا أنها سوف تعصف حتماً.. فعليك الحذر وداري على شمعتك بيدك وامشِ الهوينا حتى لا تنطفئ.. فتسير بقية النفق في ظلام.
2. تلك زاوية من الرؤية لها اعتبارها ووزنها في ثقافات كل الشعوب.. وهي تصح في حالات كثيرة لكن ليس في كل الحالات.. بل أحياناً يجب إبراز الشمعة دون خوف لأنها في كل المجتمعات تعمل دور المحفز وتقوم بمهمة الفنار الذي يهتدي به السائرون على نفس الطريق.. وهي وإن صُنِّفت على أنها حالة من التفاخر إلا أنه تفاخر مطلوب للمجتمعات النامية التي يجب أن تعمل بجد أكثر حتى ترتقي بمستواها.. وهذا لا يكون إلا بارتقاء أفرادها فرداً فرداً.
3. للنجاح معايير ومنها قياس درجة الغنى والتأثير.. والنجاح هدف يسعى إليه كل فرد سوي.. والناجحون هم قدوات للذين في طريقهم للنجاح.. وتهميش صفة القدوات والتقليل منها بداعي دفع الناجحين للتواضع وعدم إظهار نجاحهم خسارة تنموية.. فإبراز قصص النجاح وسيلة لصنع القدوة والمقارنة والمتابعة.. وهي أيضاً تضع الناجح تحت الأضواء الكاشفة فيصبح شخصية عامة.. مظهره وأقواله وأفعاله مراقبة.. ويصبح حقاً مشاعاً للعموم لمناقشة ممارساته وإبداء الرأي فيها وتناقلها.. وهذا سوف يدفعه إلى الالتزام أكثر والاجتهاد أكثر والحرص في كل ما يفعل ويقول.. وهنا يكون المجتمع قد لعب دوراً أكبر في تحفيزه لنجاح أكبر.
4. الرصد السنوي للأكثر أموالاً والأكثر تأثيراً يعتبر من وسائل التحفيز المجتمعي المهمة.. ولو التفتنا إلى مجتمعنا السعودي وسألت أي فرد من أفراده من هو قدوته.. فلن يجيبك على الفور لأنه سوف يرجع بذاكرته إلى عصر النبوة.. وكأن ذاكرتنا المعاصرة لا تحمل أي قدوات.. ولو عدمت الحياة القدوات لفنيت.. فلدينا من القدوات العدد المعقول ونريد المزيد منهم.. ولا بد من التشجيع على تقدير النجاح بتقدير الناجحين لا التقليل منهم أو دعوتهم للتواري والحذر.. وكأنهم يعيشون وسط غابة مليئة بالوحوش سوف تطفئ شمعة نجاحهم إذا أظهروها وسعدوا بها فتفاخروا.
5. منذ منتصف التسعينات من القرن الميلادي الماضي حينما برز اسم الأمير الوليد كأحد أغنى البشر وأكثرهم تأثيراً.. تنادى البعض منا بأن هذا شيء لم نعتده.. واختلفوا بين غابط وحاسد وشانئ وساخر ومكذب.. والغريب أنه لم يظهر من بين تلك الأصوات من يقول إنها مناسبة للبدء بصناعة القدوات المفقودة في مجتمعنا!.