رمضان جريدي العنزي
قبل خمسة عشر عاماً كنت مسؤولاً عن الشؤون الإدارية والتوظيف في إحدى الشركات الوطنية الكبرى، دخل علي حينها رجل نحيل ويتوكأ على عصا، وبالكاد يمشي، ومعه ابنه الذي يشبهه نحولاً وشكلاً، قال لي: اعلم يا بني أن لي عيناً واحدة ورجلاً واحدة وولداً واحداً وصحتي عليلة، وأبحث لابني عندك عن وظيفة لكي يساعدني على ظروف الحياة. حينها ابنه للتو قد حصل على الثانوية العامة، لقد وظفت ابنه بناء على ظرفه وعطفاً على حالته، أخذ هذا الرجل يتواصل معي فترة من الزمن، ثم انقطع تواصله معي، انتقلت بعدها من تلك الشركة لأخرى، وبعد عدة أعوام وفي إحدى المناسبات الاجتماعية العامة أقبل علي شاب وأخذ يقبلني ويحضنني بود وشوق، سألته من أنت؟ قال: أنا ابن صاحب العين الواحدة والرجل الواحدة والصحة العليلة، لقد مات والدي رحمه الله وبقيت بعده وحيداً، عملت بعدك بالشركة التي وظفتني بها، وأكملت دراستي الجامعية وتخرجت مهندساً ميكانيكياً بتفوق، تزوجت وأنجبت أطفالاً، عملت بجد وتفان حتى أصبحت مديراً لإحدى الشركات المتوسطة.. أردف قائلاً: رغم معاناتي ووحدتي ويتمي وقلة حيلتي وظروفي القاسية، لكنني لم أيأس ولم تهزمني الظروف ولم تكن لي يوماً عائقاً ومصداً، بل كانت لي دافعاً قوياً لهزيمة اليأس، وانتصاراً للأمل، وتحقيق التطلع.
لقد أوردت هذه القصة الحقيقية لتكون مثالاً حياً لكل شاب يمر بظروف الحياة المختلفة والمتنوعة أن لا ييأس ولا يجزع ولا يتردد في خوض بحار الحياة أياً كان حجمها وعمقها، وأن يزرع الأرض وإن كانت مواسم حصاده قاحلة، عليه أن يعيش الأمل، فالأمل عنصر حاسم في أي محاولة لإحداث التغيير في الوعي والإدراك والتنظيم، وقوة أساسية في الحياة البشرية، أن عليه أن يحيا يومه، ويعيش تطلعه، ويلفظ اليأس والقنوط والاستسلام.
نبينا الكريم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم هجر من أرضه وهاجر قومه إلى الحبشة وإلى المدينة، هاجروا لبناء تاريخ لا يأس ولا جمود فيه، وعاد صلى الله عليه وسلم إلى مكة فاتحاً، وعاد أصحابه مفاتيح نور وحياة وأمل وتجديد، عادوا فاتحين مبشرين بأمل جديد وبنفوس تحمل البناء والعفو والعمل.
إن الأمل أحد العوامل المهمة والمؤثرة في تحقيق الاستمرار في الحياة، وهو عنصر حاسم في أي محاولة لإحداث تغيير اجتماعي يتسم بالوعي والإحساس بالمسؤولية، وهو قوة أساسية في حياة البشرية.
فيا أيها الشباب، إن الأمل أكسير الحياة، يصنع الإرادة الفولاذية والنابضة بالتحدي لرسم المواقف وتغيير الأحداث، فاجعلوا من ظروفكم مشاعل تضيء، وهمماً عالية تتوقد لتنير من حولها.