العقيد م. محمد بن فراج الشهري
لقد أصبحنا في عصر أو زمن تداخلت فيه كثير من الأمور حتى أصبحنا لا نفرق بين الرجل والمرأة في كثير من الأمور التي لم تكن معتادة بل وكانت غريبة فيما مضى وتحولات كثيرة من مهمات الرجال للنساء بل وأصبحت المرأة هي التي شغلت مهمات الرجل في كثير من الأمور التي لا تخصها.. وبالنظر إلى بعض شباب هذا العصر نجد أنه تحول إلى الأدوار الأنوثية، والتشبه بالفتيات في كثير من التصرفات ليس في عالمنا العربي أو الشرقي فحسب بل وحتى في الدول الأخرى، فالصين مثلاً تخطط لإضافة مادة عن «الرجولة» في المناهج المدرسية، حيث لاحظ المسؤولون أن فتيان هذا الجيل أصبحوا ناعمين بشكل لافت، (أنثويين وحساسين أكثر من اللازم)، وهذا الطرح الجديد، وخطة «تشجيع الرجولة» لدى الطلاب أثار نقاشاً حاداً حول ماهية الأدوار، والوظائف الجديدة للجنسين، حيث وضّحت الحكومة الصينية عن طريق المستشار الصيني سي زيغو: (أن ربات البيوت والمعلمات أفسدن الصبية الصينيين في المدارس) وقال أيضاً: (إن الأولاد سيصبحون قريباً حساسين وخجولين وربما شاذين (ما لم يتم اتخاذ إجراء جاد لمعالجة هذه القضية، حيث يعتبر هذا الأمر بالنسبة للصين (أمناً قومياً) ومحذراً من أن (تأنيث الأولاد) الصينيين يهدد بقاء الصين وتنميتها المستقبلية، وكان يُنظر سابقاً إلى فترة التجنيد العسكري للصينيين كإحدى الحلول لعودة الخشونة والرجولة للشباب الصيني، ولكن بحسب تقارير أفادت أن الوقت قد يكون فات على تصحيح أو تعديل الوضع، لذلك صدر قرار لوزارة التعليم الصينية بإعداد خطط (لتنمية الرجولة) لدى الأولاد في رياض الأطفال وحتى الثانوية، وتتضمن المبادرة زيادة توظيف الرجال كمعلمين في الصفوف الدراسية ومدرسين في الصالات الرياضية، وممارسة الطلاب الرياضات الجماعية الخشنة، مع دعم البحث في قضايا مثل (مدى تأثير ظاهرة مشاهير الإنترنت الشواذ على قيم المراهقين) وتأتي هذه الخطة في أعقاب تحذير الباحثين في الصين، من أن الأمة تعاني من (أزمة رجولة) وطنية، وهذا في الصين أما في فرنسا فقد أصدر الطبيب الفرنسي (انتوني كلير كتاب «الرجولة في خطر» وخلاصة الكتاب يقول إن الحياة المعاصرة في الدول المتقدمة، أفقدت الرجال خصائصهم الجسدية، والنفسية، والأخلاقية أيضاً، وأن الرجل البسيط في الغابة أو الصحراء هو أكثر رجولة من ملوك المال، والصناعة، والتجار، والموظفين الجالسين وراء مكاتبهم، في ذات الوقت الذي اقتربت صورة الرل (لتتشابه) مع المرأة إلى حد «خطير» فبات نجوم الغرب الذي هم القدوة والمثل وصناع الموضة ويظهرون بالأقراط في أذانهم ويعتمرون «الباروكات» ويعلنون وهم في كامل مكياجهم عن زواجهم بمثليين، وكثير من الباحثين الآن والمهتمين بمثل هذه الأمور يدقون (ناقوس الخطر) على أزمة الرجولة في العالم بسبب زيادة نسبة الاختلاط الزائد عن حدوده، حيث أصبحت أكثر المدارس يقوم بالتدريس فيها نساء، وهو ما يُرجعه الكثير من الباحثين إلى الثورة النسوية، التي كان أساسها ومصدرها الغرب في ظل الحملات المناهضة للتحرش، والمطالبة بمساواة الجنسين في الحقوق والواجبات و(تمكين المرأة) وهو الأمر الذي انعكس على أغلب المجتمعات في المنزل وطرحت الكاتبة الفرنسية (لاتيتارونار) في كتابها (هل عفا الزمن على الرجال) طرحاً تشخص فيه تراجع ترتيب الرجال، مستعينة بالعديد من الدراسات، فالمرأة استفادت كثيراً من التكنولوجيا في سد حاجتها عن الرجل، بفضل التخصيب الصناعي وغيرها من الأمور، في الوقت الذي لم تعد فيه القوة البدنية للرجال ذات قيمة أو فائدة اجتماعية، وتتهكم الكاتبة الفرنسية وتقول (أعتقد أننا نطلب المستحيل من الرجال، حيث نطلب منهم أن يكونوا أقوياء وضعفاء في نفس الوقت، وقساة ومتفهمين، وشديدين من الخارج ولطفاء ورومانسيين بالمنزل) لذلك أصبح الكثير من الرجال يميلون إلى الفرار من الواقع، تاركين مسؤولية إدارة العالم للنساء، فيزيد الطلاق والعزوف عن الزواج، ويكثر العزاب من الرجال والنساء، وبأيدينا أفسدنا (فطرة الله في خلقه) بأفكار شاذة، وقوانين مشجعة على ذلك، وفقد الرجل دوره وأصبح يتعامل بالمثل، فخرج لنا (مجتمع ميم) ليتزوج الرجل من رجل للحصول على بديل انتقامي من المرأة، فهل يتعظ أبناء العروبة والإسلام ويعلمون أن ما يصدره الغرب للشرق إنما هو بقايا حياة مظلمة لا روح فيها ولا إنسانية ولا دين..
والحذر الحذر من تفشي هذه الظاهرة التي نرى بعضاً منها يطل برأسه بين أبناء المجتمعات الشرقية وأبناء الإسلام بشكل عام.. وأصبحنا نرى علامات الرجولة تختفي تدريجياً بفعل الزحف التقليدي للغرب ومصائبه المتعددة..
كان العرب قديماً يرسلون أبناءهم إلى البادية، لتعلم الشجاعة والفصاحة، والفروسية، وقوة التحمل، والتزامهم بالأخلاق والعادات، وتكون أجسادهم محمية في جو نقي بعيداً عن المدن وملوثاتها، وضجيجها وثقافاتها..
أما اليوم فنحن نشاهد بعض الشباب في المولات والكافيهات بأشكال مخجلة وتسابقهم على صالونات وعيادات التجميل، وتشبه البنات بالرجال والتنمر إلى غير ذلك من المناظر المخجلة فهل نعي الخطر المحدق بنا قبل فوات الأوان؟..
هل نعيد حساباتنا، وأمورنا في التربية أم ندفن رؤوسنا في التراب ونمضي..
هل نقول لزمان الرجولة في أمان الله، ونخضع لأساليب محو الرجولة ؟ أرجوا ألا يتم ذلك وأن نأخذ حذرنا قبل وقوع الفاس في الرأس، ونأخذ العبرة من غيرنا من المجتمعات التي أوردت ذكرها آنفاً.. وإلا فسنودع الرجولة بكل مكوناتها قريباً.