أ.د.عثمان بن صالح العامر
مما جبل عليه بني آدم حب المال والتكثر منه، وقد يدفعه هذا إلى اللهث بحثاً عنه وتجميعاً له حتى تأتي نهايته المحتومة، (الموت) ليأخذه غيره من بعده بلا مقابل. ومما يبعث الطمأنينة في نفسية المسلم، ويخفف عليه ألم فقده أن هذا الغير هم أقاربه وذوي أرحامه، وتسمى هذه العملية في الشريعة الإسلامية (الميراث).
والإرث والميراث نظام إلهي رباني إجباري عادل، وتكيف اقتصادي واضح يقسم من خلاله ما يتركه المورث من أموال نقدية أو عينية بعد أخذ تكاليف التجهيز وتسديد الديون وإعطاء الوصية إن كان ثمة وصية بالثلث وما دون لغير وارث.
وتنحصر أسباب الإرث في القرابة والزوجية والولاء، فإن لم يوجد أحد من هؤلاء صارت التركة لبيت مال المسلمين.
وقد ذكر الفقهاء أن هناك موانع للإرث، تجعل أحد الورثة يمنع من أخذ ما هو في الأساس نصيب له، وهي في الفقه الإسلامي (الرق، والقتل، واختلاف الدين).
ولأهمية وخطورة أمر الإرث تناول القرآن الكريم المواريث تناولاً مفصلاً على غير ما هو في المعاملات المالية الأخرى التي تأتي أحكاماً عامة وقواعد رئيسة ومبادئ أساسية دون التفاصيل. وعقب الله آيات المواريث في سورة النساء بالتأكيد على أن هذا التقسيم من حدود الله لا يجوز تعديها فقال سبحانه {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (13).
وللميراث دوره في التوزيع التوازني للمال، ويظهر هذا الأمر بجلاء في أن الإسلام لم يعط الميراث لواحد، وكان في الورثة دون غيرهم، وهو بذلك:
- يساهم في التقليل من حدة التفاوت في الثروات بين الناس.
- يراعي حق الضعفاء الصغير والبنت.
- يرتب الأولويات في الإرث حسب القرابة والحاجة المرجحة.
- يوفر فرص عمل جديدة لمن كانوا ينتظرون فرصتهم في الدخول للسوق، ولم يكن لديهم من رأس المال ما يؤهلهم لذلك.
- يزيد في كفاءة التوظيف للمال، إذ إن الإسلام جعل حظ الفروع من التركة أكثر من حظ الأصول، وميز الذكور على الإناث.
- يقوي الروابط والعلاقات الأسرية والتكافل والتعاون بينهم وربما دخولهم في مشاريع إنتاجية مشتركة بعد أن توفر المال في أيديهم وليس جميعهم يملكون المهارات الاقتصادية التي تؤهلهم دخول السوق.
هذا هو الأصل الشرعي، وهذه هي العوائد الاقتصادية الإيجابية المتوخاة من توزيع تركة الميت، ولكن للأسف الشديد يتخلل التطبيق بعض من صور الظلم الاقتصادي، والإجحاف الاجتماعي سواء تمثل ذلك في غياب عدالة التوزيع بين الورثة حسب ما جاء في النص الشرعي، أو التأخير في التقسيم لسنوات عدة نظراً لعدم حاجة البعض، أو التسويف والتهاون في التوزيع من قبل الأخ الكبير المقتدر مالياً، أو الانشغال والانصراف عن الميراث وغياب استشعار حاجة البعض من الورثة فيه، أو تحت طائلة الشعور بالغبن والقهر جراء انتقال جزء من مال الأب الميت لأزواج الأخوات الأغراب، حتى وصل الحال بأن هناك من يجحد حق البنت المتزوجة لهذا السبب، وربما زور وأنكر وأخفى من أجل الإقصاء المقصود والإبعاد المشهود، وكل هذه الصور وغيرها مما لا يخفى تقع في دائرة الظلم الاجتماعي الذي يجب أن يرفع ويزال، وهذا الموضوع الحساس والهام هو ما أولته هيئة حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية جل اهتمامها، وأكدت على وجوب إحقاق العدل الرباني في توزيع الميراث الشرعي وذلك من خلال حلقة النقاش المخصصة للحديث عن حق المرأة في الإرث الشرعي التي عقدتها الهيئة في شهر ربيع الأول من هذا العام 1442هـ. فشكراً للهيئة على هذه الالتفاتة الحقوقية - الاجتماعية المتميزة، والشكر موصول لكل من حرص على تحقيق العدل حسب النص حين توزيع الإرث، دمتم بخير وإلى لقاء والسلام.