عمر إبراهيم الرشيد
لحسن الطالع أن وافق مقالي هذا الأسبوع غرة العام الهجري المجيد، ولعله سانحة لكل من يروم استعراض ما مر به في العام الذي ودعناه بالأمس. ولا جدال أنكم عشتم أحداثاً متلاحقة متباينة خلال عامنا الراحل، منكم من حقق هدفاً ظل يخطط له ويعمل على تحقيقه حيناً من الدهر، ومنكم من أثقلته خسارة، وآخرون كسبوا معرفة أو صداقة أو خفقت قلوبهم لإنسان، بينما حزن أناس لفقد حبيب أو رحيل عزيز، هي الحياة وسنة الله القدير فيها. كنا في الصغر لا نسمع عن رحيل أحد إلا قليلاً ونحن في حينا وفي مدينتنا الوادعة، وفي عهدنا هذا كثر الراحلون وأصبحت أخبار الفراق تترى كل يوم، لأن أعداد البشرية تضاعف عدة مرات، ونحن جزء من هذا العالم، فكم كان عدد سكان المملكة قبل أربعة عقود وكم أصبح الآن؟.. ومع تقدم البشرية وتعاظم الاختراعات ومنها التي تسهل سبل الحياة وتقلل الكوارث والأمراض وهذا هو المفترض، إلا أن جشع الإنسان وأنانيته وانقياده للشيطان وحبه للتملك والسلطة والمال أفسد البر والبحر (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس) الآية، وما طاعون هذا العصر إلا مثال لهذا التدهور في السلوك البشري.
أما تسارع الأيام والشهور وركض السنين فمن عجائب هذا الزمن، ولا غرو أن طبيعة الزمن الفائت كانت أهدأ إيقاعاً والوقت كان أطول وأوسع من وقتنا هذا الذي يجري جري السحاب، بسبب تعقيدات الحياة وتكلف العيش ولهث الناس وراء مطالبهم أو مطامعهم، فلم يعد الوقت يتسع لكل ما يطمعون في تحقيقه وبأسرع وقت (وخلق الإنسان عجولا) ولعلكم وخلال القادم من شهور هذا العام تخطئون أو تنسون فتكتبون 1442!.
واسمحوا لي أن أشرككم في بعض الخواطر التي تشبه ما كان يكتب على أوراق التقويم في سالف الأيام وسقى الله تلك الحقبة. وأقول -من تجربة عشتها بنفسي- إن الغضب وانفلات الأعصاب هما أضعف ما يكون فيهما الإنسان؛ فأي تصرف أو قرار سيكون الفشل حليفه لأن العقل غاب وحضر بدلاً منه عاصفة نفسية لابد وأن تخلف وراءها تأثيراً مادياً ونفسياً، ومن أعجب الأحاديث النبوية الشريفة ما قاله صلى الله عليه وسلم عندما طلب منه أحد صحابته وصية فقال: (لا تغضب) وكررها ثلاث مرات، وهو النبي المرسل، وقد قرأ ملامح شخصية السائل وعليها أوصاه بتلك الوصية الخالدة. والسيطرة على الغضب من أبرز المهارات الإدارية التي تدرس للقادة ومن يروم النجاح في حياته الشخصية والمهنية، ولن يعدم خبراء وعلماء الإدارة الاستفادة من شخصية الرسول الكريم وسيرته في هذا المجال والإدارة بشكل عام.
والخاطرة الثانية، أن القراءة الحرة وقراءة الكتب الورقية تحديداً، هي التثقيف الحقيقي وبناء المعرفة الخلاقة للإنسان، وأنه مهما طغت وسائل الاتصال والتواصل الحالية، ومع أن الجهاز اللوحي على اختلاف أشكاله يمكن أن يحوي آلاف الكتب أو الوسائط المعرفية، إلا أن الكتاب الورقي، وهو مازال محتفظاً بمكانته بالمناسبة وفي عواصم التقنية، أقول يظل الكتاب الورقي محتفظاً بسحره وهيبته وجمال حضوره، ويكفي عبق ورقه وصوت رفيفها وكونها في الأصل كائناً حياً من ورق الشجر لا جهازاً يدخلنا في دائرة من الموجات والذبذبات التي لا تنتهي وينهك أعصابنا وأبصارنا.
ثم إن اتصالك بصديق أو زميل عمل باعدت بينك وبينه تقلبات الحياة ومرور السنين، مهنئاً بمناسبة أو مواسياً، لا تحدث لديه شعوراً غامراً وامتناناً فقط، وإنما لديك كذلك وتشعرك بإنسانيتك وأن هذه الحياة فيها ما يمكن أن يبعد عنا النصب ويبسط تعقيداتها بمجرد تواصل أو اتصال نجريه بقريب أو صديق فقط من أجله والاطمئنان على حاله. هذه بعض خواطر وددت إشراككم بها، وبالتأكيد لكم خواطركم من عامنا الراحل وكل عام وأنتم بخير.