اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
والحرب الجوية والصاروخية التي حدثت مؤخراً في قطاع غزة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، وما تخللها من أفعال وردود أفعال من قبل الطرفين، كان نصيب القادة الفلسطينيين من هذه الحرب هو المتاجرة بالكلام عبر وسائل الإعلام، والأقوال التي لا تؤيّدها الأفعال، حيث بالغوا في تمجيد نتائج الحرب وادّعاء الانتصار على العدو، رغم ما تعرّضت له غزة من قتل البشر وتدمير المقر والمعاناة القاسية التي عاناها الفلسطينيون والثمن الباهظ الذي دفعوه مادياً ومعنوياً من جراء هذه الحرب العبثية التي لم تخدم العمل السياسي، ولم تحقق هدفاً يعزِّز النضال الشعبي والكفاح المسلح وغيرها من الأمور التي تحتاج إليها القضية الفلسطينية، كما أنه لم يظهر في الأفق القريب والبعيد ما يبرر تصعيدها وتمجيدها، لأنها نأت بالقضية عن النجاح وكرَّست حالة الفشل التي تقبع في دوامته منذ ما يزيد عن سبعة عقود.
ومن المعروف أن لكل حرب طبيعتها، والكيفية التي تخاض بها، اعتماداً على موقف طرفيها والأسلحة المستخدمة فيها، وقواعد الاشتباك المعمول بها وحرب غزة ليست استثناء من هذه القاعدة، ولكن الاستثناء هو البون الشاسع و»القاب» الواسع بين ما تمتلكه إسرائيل من قوة عسكرية وآلة حربية وبين ما يتوفر لدى الفصائل الفلسطينية من قوة لا تعدو عن كونها مجرد إظهار قدرتها على إطلاق صواريخ من نوع ما، دون أن تحسب حساباً لعنف وصلف الطرف الآخر وقدرته على التدمير وإلحاق الأذى بغيرها.
وبالطبع فإن حركة حماس والفصائل الأخرى دخلت الحرب بناءً على حسابات إيرانية وإقليمية، وليست حسابات فلسطينية متجاهلة السلطة الشرعية، ومضحية بالقضية الفلسطينية، تلبية لرغبات النظام الإيراني وتحت شعار محور المقاومة والممانعة، هذا المحور الذي يتألف من شذَّاذ الآفاق من العرب الذين استخدمتهم إيران ضد انتماءاتهم الدينية والوطنية والقومية، جاعلة منهم وكلاء وأذرعاً لها تمتطيهم لتحقيق مآربها وزيادة نفوذها في المنطقة على حساب أمتهم وأوطانهم.
والقيادات المتسيّبة من أصحاب العقول المتخشبة والأفكار المغيّبة لم تقدّر موقفها لدخول الحرب ولم تحدد أهدافها وتحسب حساب النتائج المترتبة عليها، بل دخلتها تنفيذاً لأوامر جهات خارجية دون أن تراعي قواعد الاشتباك القاتلة وحالات الارتباك الحاصلة التي تجعل من الصعب الدخول في حرب ما إلا إذا لم يعد هناك مفر من الدخول فيها لأن الثمن عندئذ يكون غالياً وسقف الخسائر يصبح عالياً.
والحرب عادة ما تتم إدارتها بناءً على عدد القوات المشاركة فيها، وحجم المسرح الذي تدور عليه، وكفاءة القيادة المسؤولة عنها، وكذلك طبيعة هذه الحرب ونوعية الأسلحة المستعملة فيها، بالإضافة إلى فنون القتال ومستوياته، والكيفية التي تُدار بها مجريات الحرب ومستوى تدريب وتأهيل المحاربين، كل هذه العوامل وغيرها تلعب دوراً حاسماً فيما يمكن أن تؤول إليه مآلات الحرب ونتائجها من حيث النصر والهزيمة والنجاح والفشل.
وبالنسبة للنتائج المترتبة على الحرب فإنها تُقاس بما تحققه من أهداف وما ينجم عنها من نجاح أو فشل، كما يُقاس النجاح بحجم الانتصارات وسرعة إنجازها وقلة خسائرها، وحرب غزة اعتمدت على القوة الجوية والصاروخية بين طرفين غير متكافئين مع عدم التمييز بين أهداف القيمة وأهداف القوة، بل ركَّزت أكثر على أهداف القيمة لإحداث التأثير النفسي والمعنوي لدى الشعب الفلسطيني الأعزل الذي أصبح ضحية بين العربدة الإسرائيلية المستهترة وجعجعة الأذرع الإيرانية غير المبصرة.
واعتماداً على القوة الجوية شنَّت إسرائيل حربها على غزة ومحيطها بصورة ظالمة أدت إلى قتل المئات وجرح الآلاف ونزوح عشرات الآلاف من مساكنهم المدمرة كما تضرَّرت إحياء سكنية بكاملها وتم تدمير الآلاف من المباني السكنية والعمائر والإبراج والمستشفيات ومرافق الرعاية الصحية الأولية، والبنية التحتية لمحطات المياه والكهرباء والصرف الصحي وغيرها، مضافاً إلى ذلك تدمير أهداف القوة المتحركة والثابتة كمنصات إطلاق الصواريخ والإنفاق وما في حكمها.
ومقابل آلة الحرب الإسرائيلية المدمرة وأهدافها المفتعلة لتبريرها فإن فصائل المقاومة تذرَّعت بالدخول في الحرب بما يحصل في الحرم القدسي، وهو أمر يحرِّك المشاعر، ويثير الخواطر، ولكنه لا يبرر الدخول في حرب خاسرة، تضر بالقضية وتجلب لغزة وأهلها القتل والتدمير لصالح جهات خارجية ومن هذا حاله لا يستغرب عليه إطلاق صواريخه بشكل عشوائي من منصات إطلاق متحرِّكة وأنفاق تحت الأرض، دون أن تصل هذه الصواريخ إلى أهدافها، أو لم يكن لها أهداف في الأساس، مع الادعاء بأن هذه الحرب جلبت لعدوه الذل والعار، والمطالبة بالهدف الوحيد الذي أراد تحقيقه وهو إعادة الإعمار لإصلاح الدمار وإزالة آثار الانكسار.
وعلى صعيد المنازلة الوهمية والعداوة الصورية فإن الحركة الحوثية ضربت رقماً قياسياً لخداع وتضليل الشعب اليمني عن طريق التلاعب بالألفاظ والكلمات، والمتاجرة بالشعارات وتسويق الكذب والافتراءات، متخذةً من كل ذلك ستاراً تستر خلفه، وحصناً تتحصَّن بداخله لتنفيذ المشروع الإيراني في المنطقة الذي تمثِّل الحركة الحوثية إحدى أدواته للاستيلاء على اليمن بعد قتل وتشريد السكان وتدمير المكان.
وهذه الحركة الإرهابية ذات المرجعية السلالية والأفكار الظلامية، وجدت في عمالتها لإيران والدعم الإيراني وكذلك الشعار المفروض عليها من قبل إيران بالدعاء بالموت لأمريكا والموت لإسرائيل، حيث وجدت هذه العصابة في رفع هذا الشعار ما هو كفيل بخداع السذج والمغفلين علاوة على استخدامه مبرراً لممارسة الإجرام، واتخاذه حجة تسوغ لها الكلام والاستفادة من الإعلام، كما يمثِّل ذلك درعاً يقيها من الكثير من السهام، الأمر الذي مكَّنها من الانقلاب على السلطة الشرعية واحتلال العاصمة اليمنية وقتل البشر وتدمير المقر، وتجاوز الحدود بالاعتداء على المملكة الجارة الكبرى وصاحبة الفضل واليد العليا.
وشعار الموت لأمريكا وإسرائيل الذي يردده الحُوثيون بتوجيه من إيران ما هو إلا إمعان في التمويه وقلب الحقائق ومبالغة في التضليل والخداع فالمستهدف من هذا الشعار هي الدول العربية التي تتباهى إيران باحتلال بعض عواصمها والحركة الحوثية ما هي إلا أداة من الأدوات المستخدمة لتنفيذ المشروع الصفوي في المنطقة وصاحب مشروع الشرق الأوسط الكبير يعرف العبارة المكتوبة على الوجه الآخر من هذا الشعار وهو الذي سمح لإيران ووكلائها بالسير في هذا الاتجاه خدمة لإسرائيل وتنفيذاً لمشروعه.
وفي الختام فإن من الكياسة والفطنة أن يستفيد المرء من الأخطاء التي وقع فيها فلا يكررها مرة أخرى، وجماع الحكمة أن لا يخطئ ويستفيد من أخطاء الآخرين فيتجنبها، كما أن زيادة القول على الفعل تعد دناءة ومنقصة في الأحوال العادية، فكيف بالقول في غياب الفعل في الحالات الاستثنائية والمواقف المشهودة وادّعاء البطولات الوهمية والانتصارات بالأقوال المجردة عن الأفعال.