محمد سليمان العنقري
عرف التطوع باسمه الحالي منذ حوالي أربعة قرون فهو جهد يبذله الفرد دون مقابل، بما يمتلك من قدرات وإمكانيات لخدمة مجتمعه وله دور ايجابي برفع الحيوية وتعزيز المجتمع المدني، وقد ساهم التطوع بأعمال جليلة عالمياً لما له من فوائد تنعكس على المتطوع ومجتمعه حيث يتنامى حس المسؤولية لدى الافراد، ويكتسبون خبرات عديدة ومعرفة أكثر بالبيئة التي يعيشون فيها، كما انهم يساهمون بأعمال تدعم الجهود الحكومية وتخفف عنها بعض الاعباء خصوصاً في الدول الكبيرة من حيث المساحة وعدد السكان.
ونظراً لأهميته وضعت له الكثير من الدول ضوابط تنظمه، كما يوجد منظمات دولية للأعمال التطوعية بالمجال الصحي والبيئي والتعليمي والإغاثي وغيرها من مسارات التطوع.
والعمل التطوعي له أنواع عديدة فهناك العمل بالخبرات والمهارات، وأيضاً العمل لمساعدة دول فقيرة وكذلك العمل التطوعي عن بعد من خلال شبكة الانترنت، وأيضا العمل بحالات الطوارئ، وكذلك في الحروب، وايضا العمل لحماية البيئة كأعمال النظافة وغيرها، وله انعكاسات ايجابية عديدة على المجتمع من خلال تنمية التعاون بين افراد المجتمع ودعم الجهود الحكومية من خلال الوفر بالموارد عليها عندما يتشارك الافراد بخبراتهم للقيام بعمل يخدم المجتمع دون مقابل اضافة لانعكاسه على الفرد بزيادة خبراته ورفع حس الايثار لديه، وحفاظه على الممتلكات العامة وتعزيز الثقة بالنفس، واستثمار وقت الفراغ لديه بأعمال مفيدة له ولمجتمعه، ولكن يبقى السؤال هل هناك مؤشرات قياس أداء لهذه الأعمال التطوعية والتوصل لتحديد مدى تحقيقها لأهدافها حتى تكون الجهود المبذولة تصب فيما وظفت له؟.
ففي المملكة يوجد اهتمام كبير بالعمل التطوعي وتفرد رؤية 2030 م جزءاً مهماً من المبادرات المتعلقة بدور المجتمع بالعمل التطوعي والحث عليه، حيث اطلقت منصة العمل التطوعي والهدف هو الوصول لمليون متطوع، خصوصاً ان المجتمع السعودي بطبعه يبادر لعمل الخير والتطوع بالاعمال الانسانية وكذلك التي تخدم المحتمع بمختلف المبادرات، لكن يبقى قياس الأثر بطرق علمية ومنهجية واضحة له أهمية في ابراز ما يتحقق من العمل التطوعي والوصول لأهداف اي مبادرة فبعضها يطرح تساؤلات حول هدفها ومدى فائدتها، وهل تصب فعلاً في خدمة المجتمع بما يحتاجه، فمن الأمثلة على حملات التطوع مبادرات تطلق بين حين وآخر بأعمال عديدة من ابرزها المساهمة بأعمال نظافة المدن وبعضها يستمر لعدة شهور، لكن ما يثير التساؤل ان المدن بالمملكة وكافة المراكز الحضرية مغطاة بعقود نظافة مع شركات متخصصة وفق أعلى المعايير، وتقوم الامانات والبلديات بدورها بالرقابة الصارمة والتقييم للأداء والتعامل مع أي بلاغات حول أي قصور باعمال النظافة، فالاهتمام بالبيئة والنظافة متقدم جداً بالمملكة فمثل هذه المبادرات قد لا تضيف شيئاً مكملاً للعمل القائم من قبل الجهات المعنية، فإن ما يشاهد من عمل تطوعي لتنظيف «كورنيش على البحر أو الأحياء بأي مدينة» هي بالاصل مغطاة بعقود نظافة بمبالغ كبيرة وبمواصفات عالية المستوى، قد يكون جهداً مهدراً من المتطوعين، فالمأمول من هذه المبادرات أن تغطي مواقع خارج نطاق عقود النظافة كمنتزهات طبيعية خارج المدن يرتادها الناس بمواسم معينة أو أي عمل تطوعي يتكامل مع العمل الحكومي بما هو خارج نطاق تغطية عقود الصيانة والتشغيل عموماً.
حتى لا تكون بعض الحملات التطوعية هدفها الاستعراض والبحث عن «الفلاشات» دون أن يكون لها أهداف تضيف قيمة للمجتمع، نأمل أن يتم تحديد أدق لنوعية العمل التطوعي وان لا يكون متداخلاً مع أعمال تقوم الدولة عبر أجهزتها بها، بل تكون أعمالاً مكملة وبكل تأكيد يستحق الشكر كل من يقدم فكرة لمبادرة تطوعية، وكذلك من يشارك فيها، فالقطاع غير الربحي القائم بأحد جوانبه الرئيسية على العمل التطوعي له اهمية كبيرة بتعزيز حيوية المجتمع وتعاون أفراده، لكن كلما كانت الأهداف واضحة وقياس الأداء والانعكاس قائماً، فإن الفائدة تتعاظم من الاعمال التطوعية وتزداد وتيرتها وحجمها بالمجتمع.