اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
والواقع أن الدولة العبرية هي التي بادرت بشن الحرب في الجولات الثلاث سيئة الذكر إلا أن جولة 5 يونيو 67 حاولت استباقها بعوامل الإثارة والدعاية الإعلامية التي مفادها أن العرب يريدون إلقاء إسرائيل في البحر، مما خلق حافزاً للدفاع عن النفس وحب البقاء في المقاتل الإسرائيلي، وتوحيد الشعب اليهودي خلفه ورفع همته للقتال مع نجاح إسرائيل في كسب تعاطف الشعوب الغربية معها، بوصفها دولة صغيرة محاطة بالأعداء الذين يتربصون بها للقضاء عليها ورميها في البحر.
والصحيح أنه لا يوجد عدو للإنسان أعداء من لسانه ولا يغلب عليه مثل هواه، ولا يسيطر عليه ويؤذيه مثل إساءته إلى نفسه، فمن هو الرامي ومن هو المرمي؟ فالدولة اليهودية هي التي شرَّدت شعباً بأكمله وألقت به في البحر عن طريق إجبار الشعب الفلسطيني على الهجرة وعبور البحار، وما ينطوي على هذا العبور من أخطار، وحتى تفرض واقعاً يخدم هذا السلوك وتؤهل شعبها لذلك لجأت جاهدة إلى ترسيخ عقدة الخوف وحب البقاء في نفوس اليهود والربط بين الهزيمة والفناء وبين النصر والبقاء.
وفي تطور آخر وانحدار إلى ما هو أدهى وأمر من الهزائم المتكررة والمزاعم المنفّرة التي تتمثَّل في الدور الذي يؤديه حزب (اللات) اللبناني الذي يأتمر بأوامر إيران للقيام بالقتال في أي مكان ويفتعل المواقف مع إسرائيل لكي تهاجم وطنه، متخذاً من عمالته للأجنبي وسيلة يتوسلها وأداة يستعملها لتنفيذ أوامر الغريب للاعتداء على القريب والظهور بمظهر المدافع عن وطنه والقضية الفلسطينية والمقاوم لإسرائيل، إلى الحد الذي أصبح معه هذا الحزب يشكِّل عامل قتل لشعبه ومعول هدم لوطنه، جاعلاً من نفسه وكيلاً لأعداء الأمة يقاتل نيابة عنهم تارة ويخلق لهم الذرائع تارة ثانية.
وهذا الحزب الطائفي الذي ارتمى في أحضان إيران ورفع معها شعار المقاومة والممانعة الذي يهدف أصحابه إلى قتل العرب وتدمير أوطانهم تحت غطاء محاربة إسرائيل وأمريكا، حيث إن شعار الموت لأمريكا والموت لإسرائيل تُرتكب تحته جميع جرائم القتل والتهجير والتدمير التي يتعرَّض لها المكون السني العربي على يد أذرع إيران ووكلائها في كل من العراق وسوريا واليمن وفلسطين وغيرها.
ومن سوء الحظ أن هذا الحزب جعل من لبنان مسرحاً للعمليات وساحة مواجهات بين كل من إيران وإسرائيل لتحقيق مطامع جيوسياسية وأهداف توسعية على حساب لبنان الذي يمثِّل المحطة المرحلية الأولى على طريق التوسع وامتداد النفوذ في شرق البحر الأبيض المتوسط والمشرق العربي، تحقيقاً لأهداف ومطامع الدولتين، وتنفيذاً لمشروع الشرق الأوسط الكبير، مما يوحي بأن لبنان وحكومته وشعبه بعد أن كانوا في سجن الحزب الطائفي الإرهابي أصبح الجميع في سجن المستعمرين والمتآمرين وعلى نفسها ودولتها وشعبها وأمتها جنت براقش.
والحرب المدمرة التي خاضتها إسرائيل ضد لبنان عام 2006م تطرح تساؤلاً عن مَنْ هو المسؤول عن بدء هذه الحرب العبثية التي أسفرت عن الكثير من القتلى والجرحى والمشردين علاوة على تدمير المنازل السكنية وبالتحديد في الضاحية الجنوبية والقرى المحاذية للحدود الإسرائيلية، بالإضافة إلى تدمير الكثير من البنى التحتية والمرافق الأساسية، ناهيك عن تدهور أوضاع الدولة وخسائرها الاقتصادية والمادية وهزيمتها المعنوية، والمنتصر الحقيقي في هذه الحرب غير المبررة هما إيران وإسرائيل.
ورغم ما حل بلبنان واللبنانيين من أنواع الخراب وصنوف العذاب فإن زعيم الحزب يتغنَّى بالنصر ويتبجَّح بتحقيق معجزة العصر، ممتدحاً حزبه ومتجاهلاً شعبه، ومقلِّلاً من شأن خصمه في الوقت الذي تنفخ إسرائيل في بالون هذا الحزب وتضخِّم أمره وتحذِّر من خطره، لتبرير جرائمها وإقناع شعبها وصرف نظر الرأي العام عن اقترافاتها الظالمة وممارساتها الآثمة.
ومنذ نشأ هذا الحزب وتكوَّن جناحه العسكري وهو يتجه إلى مزاحمة الدولة، وتهميش قوتها العسكرية توطئة لتحويلها إلى دولة فاشلة، وبالتالي القضاء عليها، مستهلاً ذلك بإعلان الولاء المطلق للمرشد الإيراني وممارسة الإرهاب والعبث بالهوية الوطنية اللبنانية وإخراج لبنان عن عمقه العربي والزج به في المحور الإيراني، وما تلا ذلك من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، وإغراق البلد بالمخدرات وجعله في عزله على المستويين العربي والدولي.
وإمعاناً في تفشيل الدولة وتقويض سلطتها والتمرّد عليها اتخذ قراره بمفرده بالاشتراك في القتال في سوريا ضد الشعب السوري تحت مظلة المحتل الروسي والغازي الإيراني، مدعياً أن هذه المشاركة تهدف إلى مناصرة محور المقاومة والممانعة المزعوم، وأنها تعتبر امتداداً لحرب 2006م لمواجهة إسرائيل وأمريكا تمهيداً لتحرير القدس على حد قول زنيم الحزب وشر البلية ما يضحك.
ومما يدعو إلى السخرية أن محور المقاومة والممانعة الذي ينتسب إليه حزب (اللات) يدِّعي معاداة إسرائيل وأنها المستهدف بالمقاومة في حين أثبتت الأحداث والوقائع مع مرور الأيام أن المستهدف بالقتل والتهجير والتدمير هو المكوّن السني من العرب في الدول التي توجد فيها أذرع إيرانية متمردة على سلطة الدولة التي تنتمي إليها، كما هو الحال بالنسبة لهذا الحزب الذي ينادي بتحرير القدس عن طريق الاعتداء على الشعب السوري في الوقت الذي يقف فيه موقف المتفرج على إسرائيل وهي تعيث فساداً في محيط القدس وطائراتها وصواريخها تدك غزة وتدمر البيوت على أصحابها في حرب تدميرية غير مسبوقة، دون أن يظهر على حزب (اللات) رد فعل يذكر، والسبب أن ضحايا القتل والتدمير من السنة العرب، والمستفيد من ذلك هو النظام الإيراني وهؤلاء الأتباع والخونة خارج الحسبان، ونصيبهم الفشل والخسران.